التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم 33 إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم 34}

صفحة 1945 - الجزء 3

  رسول اللَّه ÷ أن جزاءهم هذا لا يكون إلا بالمثلة، فما قام خطيبًا إلا نهى عن المثلة، وقال محمد بن الحسن: بول ما يؤكل لحمه طاهر فحكمه في الخبر ثابت.

  وقيل: نزلت في قوم أبي برزة الأسلمي، وكان قد عاهد رسول اللَّه ÷، فمر قوم من كنانة يريدون الإسلام وأبو برزة غائب فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فنزلت القصة فيهم، عن الكلبي.

  وقيل: نزلت في قطاع الطريق، وعليه أكثر المفسرين وجُلُّ الفقهاء.

  · المعنى: لما تقدم ذكر القتل وتعظيم أمره عقبه بذكر قطاع الطريق، فقال سبحانه: «إِنَّمَا جَزَاءُ» يعني: مكافأة «الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ» اختلفوا في المراد بهم، قيل: الكفار؛ لأن الآية نزلت فيهم، ولفظ المحاربة لا يليق إلا بهم، عن الحسن والأصم، وقيل: المراد به المرتدون؛ لأنها نزلت في العرنيين، وقيل: المراد قطاع الطريق من أهل القبلة، عن جماعة من المفسرين والفقهاء، وهو قول أبي علي قال: ولذلك تقبل توبتهم قبل القدرة، وتوبة الكفار مقبولة على كل حال؛ لأن الفقهاء حملوها عليهم، واستدلوا بها في حد قاطع الطريق، وقيل: هي محمولة عليهما جميعا، عن أبي مسلم «يُحَارِبُونَ» يقاتلون «اللَّه» قيل: يحاربون أولياءه كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ} وقيل: أراد تعظيم فعلهم فوصف بأنه محاربة معهم تفخيمًا وتعظيمًا، وقيل: يفعلون ما يجري مجرى المحاربة معه من ترك أوامره، وارتكاب ما نهى عنه، ثم فسر المحاربة وقال: «وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا» يعني: يسيرون بالفساد في الأرض، وليس هو بوصف، وإنما هو بيان كقولك: عصيت اللَّه وعققته، ثم اختلفوا، فقيل: هو قاطع الطريق والمكابر في المصر وغير المصر، عن مالك والشافعي، وقيل: هو في غير المصر، عن أبي حنيفة وأصحابه وعطاء «أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ» قيل: هو على قدْر الاستحقاق، وليس بتخيير: إن