التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم 38 فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم 39}

صفحة 1957 - الجزء 3

  وإنما اختلفوا في صفة الحرز، وحده: ما بني للمسكن ولحفظ الأموال، كالدور والفساطيط الحافظة كمن جلس في المسجد عند متاعه، واختلفوا في القبر فقيل: ليس بحرز، والنباش لا يقطع، وهو قول أبي حنيفة، وقيل: بل يقطع، وهو مذهب الهادي والشافعي، وينبغي أن يعتبر الدخول والخروج مع المال، وتفصيل ذلك يطول.

  وأمَّا الخامس: المال المسروق: فلا شبهة أن يقطع في سائر أنواع المال الباقية كالدراهم والدنانير والغلات والأثاث والأمتعة، واختلفوا في الفواكه مما يتسارع إليه الفساد، فقال أبو حنيفة: لا يقطع، وقال الشافعي: يقطع، واختلفوا فيما يوجد جنسه مباحًا تافهًا في دار الإسلام، فقال أبو حنيفة: لا يقطع، وقال الشافعي: يقطع، وهو قول أبي يوسف، وكذلك لا يقطع في الطيور والسمك، ولو سرق مصحفًا قال أبو حنيفة: لا قطع فيه، وقال أبو يوسف: يقطع.

  فأمَّا السادس: فاختلفوا فيه، فقيل: يقطع في القليل والكثير، عن ابن الزبير، وقيل: في درهم، عن الحسن، وقيل: في ثلاثة دراهم قيمة المجن، عن ابن عمر ومالك، وقيل: خمسة دراهم، عن عمر وسليمان بن يسار وأبي علي، وقيل: في عشرة، عن علي وابن مسعود وابن عباس، وهو قول أبي حنيفة واختيار أبي هاشم؛ لأنه مجمع عليه، ومذهب الهادي، وقيل: ربع دينار، عن عائشة والأوزاعي والشافعي، وقيل: أربعة دراهم، عن أبي سعيد الخدري، وعن عطاء: أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن، وثمنه عشرة دراهم، وينبغي أن تكون قيمته يوم الأخذ ويوم القطع عشرة، ويستوي المضروب وغير المضروب.

  فأمَّا السابع: ما تثبت به السرقة: ولا شبهة أنه يثبت بالإقرار والبينة، والخلاف في صفتهما، أما الإقرار فيثبت بإقراره مرة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لا يقطع حتى يقر مرتين، وهو قول الهادي. وأما صفة البينة فلا تقبل فيه الشهادة على الشهادة، ولا شهادة النساء، ولا تثبت بكتاب القاضي إلى القاضي، وإذا ادُّعِي على إنسان أنه سرق وأنكر فاستحلفه يحلف، وإن نكل يُقْضَى عليه بالمال، ولا يقطع.