التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم 41}

صفحة 1962 - الجزء 3

  الهلاك فتنة؛ لأنه يحرق كما يحرق خبث الحديد، ويسمى الكفر فتنة؛ لأنهم يحرقون، أخزاه اللَّه: أي أبعده، والاسم الخزي.

  · الإعراب: «سماعون»: رفع؛ لأنه صفة محذوف، تقديره: من الَّذِينَ هادوا قوم سماعون، وقيل: خبر ابتداء محذوف، يعني هم سماعون.

  واللام في قوله: «للكذب» بمعنى (إلى)، أي سماعون إلى الكذب، وقيل: بل بمعنى اللام أي قائلين له، وقيل: هو لام (كي) أي يسمعون لكي يُكَذِّبوا. وأما اللام في قوله: «لقوم آخرين» أي لأجل قوم آخرين، مواضعه ذكر الكناية؛ لأنه ردها إلى لفظ الكلم.

  · النزول: قيل: نزلت الآية في أبي لبابة ابن عبد المنذر حين حاصر النبي ÷ بني قريظة، وأرسله إليهم فاستشاروه، وقال: «لا تنزلوا على حكم سعد فإنه الذبح، وأشار إلى حلقه».

  وقيل: نزلت في يهودي قتل يهوديًّا، فقال لحلفائهم من المسلمين: سلوا محمدًا فإن أمر بالدية اختصمنا إليه، وإن أمر بالقتل لم نأته، عن قتادة. وقيل: نزلت في شأن الرجم، فإن رجلاً وامرأة زنيا من أهل خيبر، وكانا مُحْصَنَيْنِ، وكان حدهما الرجم، فكرهت اليهود الرجم لشرفهما، فبعثوا بهما إلى قريظة والنضير مع رهط منهم من المنافقين واليهود، وكتبوا إليهم في ذلك، وقالوا: سلوا محمدا عنه فإن في كتابه الجلد، فإن أفتاكم بالجلد فخذوا به، وإن أفتاكم بالرجم فلا تأخذوا به، وجاء جبريل # فأخبر النبي ÷، وقال: سلهم عن أعلمهم بالتوراة، ثم سله يصدقك، فانطلق كعب بن الأشرف وجماعة منهم إلى رسول الله ÷ وسألوه عن ذلك، فنزل