قوله تعالى: {ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم 41}
  قابلين من قولهم: (سمع اللَّه لمن حمده) أي قابلون الكذب من رؤسائهم، فيما حرفوه من نعتك ومن الرجم، وغير ذلك من أحكام التوراة، عن أبي مسلم، والَّذِينَ أتوه وَوَصْفُهُم سماعون للكذب: قريظة والنضير، والَّذِينَ لم يأتوه: فدك وخيبر، «يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ» أي الكلام «مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ» قيل: هو تحريف كلام النبي ÷ بعد سماعه منه للكذب عليه، عن الحسن وأبي علي كانوا يكتبون بذلك إلى خيبر، وقيل: هو تحريف حد الزاني من الرجم إلى الجلد، والتحميم عن جماعة من أهل التفسير، وقال قتادة: هو في القتل، وقيل: تحريف التوراة «مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِه» أي من بعد وضعه مواضعه، وهذا تسلية له أي أنهم يحرفون التوراة، ويحرفون كلامك، وكيف يؤمنون «يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا» قيل: دين اليهود إن أعطاكم فاقبلوا، وإن لم يعطكم ذلك فاحذروا أن تقبلوه، عن الحسن وأبي علي، وقيل: إن أفتاكم بالجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، وقيل: إن اعترف لكم المؤمنون بهذا وهو المحرف، فاقبلوه، وإن خالفوا ذلك فلا تقبلوا، عن أبي مسلم، وأراد بالقبول الموافقة «وَمَنْ يُرِدِ اللَّه فِتْنَتَهُ» فيه أقوال:
  الأول: الفتنة العذاب كقوله: {عَلَى النَّارِ يُفتَنُونَ} أي يعذبون، عن الحسن وقتادة وأبي علي وأبي مسلم، والمراد به: يريد عذابه لكفره ونفاقه، وقيل: هلاكه، عن الضحاك، وقيل: عقوبتهم بالرجم.
  الثاني: الفتنة الفضيحة، يعني فضيحته بإظهار ما ينطوي عليه، عن الزجاج.
  الثالث: إضلاله، عن مجاهد والسدي، ومعناه: الحكم بضلاله وتسميته ضالاً.
  الرابع: الفتنة الاختبار، يعني من يرد اللَّه اختباره بما يبتليه من القيام بحدوده، فيدع ذلك ويحرفها «فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّه شَيئًا» عن الأصم، والأول الوجه؛ لأنه الظاهر، والأليق بالكلام «فَلَنَ تَمْلِكَ» أي: لا يقدر على دفع ما يريد اللَّه بهم أحدٌ من خلقه «أُوْلَئِكَ» يعني المنافقين «الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّه أَنْ يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ» قيل: من الحرج