التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين 42}

صفحة 1969 - الجزء 3

  يَضُرُّوكَ شَيئًا» يعني إن أعرضت عن النظر في حكمهم، فلا يقدرون لك على ضرر في دين ودنيا، وإن اخترت أن تحكم بينهم «فاحكم بالقسط»؛ أي: بالعدل قيل بما في القرآن، وشريعة الإسلام، وقيل: بالرجم الذي أنزله اللَّه عليك «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» العادلين في حكمهم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الرشا في الحكم سحت، والسحت ما يغلظ تحريمه، وهذا لا شبهة فيه؛ لأنه إما أن يأخذ ليحكم بالباطل أو بالحق، فإن أخذ ليحكم بالحق فهو فرض عليه، فيكون رشوة على أداء واجب، وهذا محرم، وإن أخذ ليصرف الحكم بالباطل، فهو أعظم في الحرج؛ لأنه يأخذ حرامًا، ويحكم بباطل، وقيل: إنه يخرج الحاكم به من أن يكون حاكمًا قل أو كثر؛ لأنه فسق، فأما إذا أهدي إليه لا على سبيل الرشوة، فاختلفوا، فمنهم من أباحه، ومنهم من كرهه.

  وتدل على أن أخذ الرشا في كل أمور الدين لا يجوز، كالشهادة والأمر بالمعروف ونحوه.

  وتدل على التخيير بينهم في الحكم، واختلفوا في نسخه على ما بَيَّنَّا من وجه آخر، فمنهم من قال: إذا جاء أحد من الخصمين يجب الحكم، ومنهم من قال: يلزمه الحكم إذا جاءا جميعا، والصحيح أنه منسوخ؛ لأنه لا يجوز الرد إلى باطل أو محرف، أو ما يظن فيه ذلك.

  وتدل على أنه عند المحاكمة يجب الحكم بحكم الإسلام والقرآن؛ لأنه الحكم بالقسط.

  وتدل على أنه يجب الإقساط، ولا يجوز أن يكرهه خلاف قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل على أن أفعال العباد حادثة من جهتهم؛ لأنه أضاف الفعل إليهم، وذمهم عليه، وأوجب العقوبة لهم، فيبطل قولهم في المخلوق.