التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون 45}

صفحة 1979 - الجزء 3

  الأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، إذا قطع أنفه وأذنه أو قلع سنه فإنه يقتص منه «وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ» هو خاص فيما يمكن فيه المقاصة من الشجاج، فأما ما لا يمكن القصاص فيه فالدية والأَرْش أو الحكومة «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ» يعني بالقصاص تصدق به على صاحبه بالعفو وأسقط هو عنه «فَهُوَ» يعني التصدق «كَفَّارَةٌ لَهُ» أي يكفر ذنوبه الصغار إذا اجتنبت الكبائر «لَهُ» قيل: للمتصدق والمجروح، أو ولي المقتول، عن عبد اللَّه بن عمر، وقتادة والحسن وابن زيد وإبراهيم والشعبي، قالوا: يكفر ذلك العفو من ذنوبه بقدره، وقيل: «لَهُ» للجارح ذلك العفو كفارة له إذا عفا المجني عليه لا يؤاخذ به في الآخرة، أي: عفو المقتول كفارة للقاتل، وأجر العافي على اللَّه، عن مجاهد وإبراهيم وزيد بن أسلم، وروي ذلك عن ابن عباس «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» هذا يمكن حمله على ظاهره؛ لأن من لم يحكم بالحق كان ظالمًا فاسقًا، وإن لم يكن جاحدًا، وقيل: الجميع يرجع إلى موصوف واحد، وقد بَيَّنَّا.

  · الأحكام: تدل الآية على أحكام في الجملة:

  منها: أن ذلك كان مكتوبًا عليهم، وهل يلزمنا ذلك بالظاهر أم لا؟ وقد بَيَّنَّا الخلاف فيه، منهم من قال: يلزم إلا ما ثبت نسخه، ومنهم من قال: لا يلزم إلا بابتداء دليل، وهو الصحيح.

  ومنها: أن القصاص يجري في النفس والأطراف والجروح.

  ومنها: تدل على أن العفو مندوب إليه، وأنه عبادة يستحق عليها الثواب حتى يكفر الذنوب.