التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون 48 وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون 49 أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 50}

صفحة 1987 - الجزء 3

  وموضع (أن) في قوله: «أن احكم» نصب على تقدير: أنزلنا إليك أن احكم، والعامل فيه «أنزلنا»، ويحتمل الرفع على تقدير: من الواجب أن احكم بينهم.

  والألف في قوله: «أفحكمَ» ألف استفهام، والمراد الإنكار.

  وقوله: «وإن كثيرا» يحتمل ألا يتعلق بما قبله، ويكون كلامًا مستأنفًا، «كثيرا» اسم (إن) و «فَاسِقون» خبره، ويحتمل أن يكون متصلاً بالأول معطوفًا على قوله: «يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ» فلما أتى الخبر مؤكدًا باللام، وكسرت (إن) الثانية، فإنهم لا يجعلون اللام إلا في خبر (إن) المكسورة، عن أبي مسلم.

  · النزول: روي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود منهم كعب بن أسد قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فجاؤوا إلى النبي، ÷، وقالوا: يا محمد، قد عرفت أَنَّا أحبار اليهود وأشرافهم، وإنا إن اتبعناك تبعنا اليهود، ولم يخالفوا، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنخاصمهم إليك فتقضي لنا عليهم، ونحن نؤمن بك، وأنك رسول اللَّه، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: «وَلاَ تَتَّبعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحذرهمْ».

  · النظم: قيل: بَيَّنَ اللَّه تعالى نسخ الشرائع، فذكر التوراة، وما أنزل فيها من الأحكام، ثم عقب ذلك بذكر الإنجيل، وما أنزل على عيسى، وما نسخ من ذلك، وما لم ينسخ، ثم ذكر القرآن وما نسخ به تلك الشرائع، وأمر بالحكم به، عن أبي مسلم.

  وقيل: لما بيّن أحوال اليهود والنصارى وسرائر كتبهم، بَيَّنَ أنه المنزل للقرآن؛ ليدل بذلك أنه رسول، وعلم ذلك بالوحي.

  وقيل: لما بَيَّنَ نبوة موسى وعيسى، بَيَّنَ نبوة محمد ÷ احتجاجًا عليهم أن طريقه كطريقهم في الوحي والمعجز.