قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون 48 وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون 49 أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 50}
  · المعنى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيكَ» يا محمد «الْكتَابَ» يعني القرآن «بِالْحَقِّ» أي ما فيه حق، وقيل: بالحق أنْزلنا «مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيْهِ» قيل: تصديقه بأنه كان حقًّا، وأنه كان من عند اللَّه، وقيل: تصديقه لما فيه من موافقة صفته، وقيل: يوافقه في أصول الدين في التوحيد والعدل، وإن اختلفت الشرائع، عن أبي مسلم «لِمَا بَينَ يَدَيْهِ» أي قبله «مِنَ الْكتَابِ» قيل: المراد به الكتب المنزلة على الأنبياء، والمراد بالكتاب المكتوب كقولهم: هذه الدراهم ضَرْبُ الأمير؛ أي: مضروبه، عن أبي مسلم، وقيل: التوراة والإنجيل وغيره من الكتب، وذهب به مذهب الحسن؛ فلذلك وَحَّدَ «وَمُهَيمِنًا» قيل: شاهدًا أنه الحق، عن ابن عباس والسدي والكسائي، وقيل: أمينًا، عن مجاهد والحسن وقتادة، وروي نحوه عن ابن عباس، قال ابن جريج: أمانة القرآن على الكتب إنما أخبر به أهل الكتب، فإن كان موافقًا للقرآن فصدقوا، وإن كان مخالفًا فكذبوا، وقيل: قاضيًا، عن الضحاك، وقيل: دالاً عن عكرمة، وقيل: مصدقًا، عن ابن زيد، وقيل: رقيبًا وحافظًا، عن الخليل، واختلفوا في المهيمن، فقيل: الكتاب، عن ابن عباس والحسن وأكثر أهل العلم، وقيل: هو النبي ÷، عن مجاهد، والأول الوجه «فاحْكم» يا محمد «بَينَهُمْ» بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى «بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ» تعالى يعني القرآن؛ ولذلك يجب على جميع الحكام، عن ابن عباس والحسن، ونسخ بهذا التخيير قبله، «وَلاَ تَتَّبعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقّ» أي لا تتبع هَؤُلَاءِ اليهود في الحكم رغبة عما جاءك من الحق.
  ومتى. قيل: إذا كان النبي، ÷ معصومًا عندكم فكيف يجوز أن يتبع أهواءهم، وشرك الحق حتى يرد النهي؟
  قلنا: ذلك مقدور له، ولكن لا يفعله، ويجوز أن يَرِدَ النهي عما يعلم أنه لا يفعله، وقيل: الخطاب له، والمراد غيره.