التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون 48 وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون 49 أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 50}

صفحة 1990 - الجزء 3

  الحكم بما أنزل اللَّه إلى ما يهوون طمعًا منهم في أن يسلموا، عن ابن عباس، وقيل: يضلونك بالكذب على التوراة بما ليس فيها بعد يقين حكمها، عن ابن زيد، وقيل: احذرهم أن يزيلوك عن بعض أحكام اللَّه، والمراد به أن يكون شديدًا في الحق، لا يتساهل فيه، فكان كذلك ÷ «فَإِنْ تَوَلَّوْا» أعرضوا عن الإيمان والحكم بالقرآن، ولم يقبلوه، «فَاعْلَمْ» يا محمد «أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّه أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ» أي يعاقبهم ببعض إجرامهم قيل: ذكر البعض، والمراد الكل، كما يذكر العموم، ويراد به الخصوص عن أبي علي، وقيل: ذكر البعض للتغليظ في العقاب؛ أي يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم في إهلاكهم، وقيل: المراد تعجيل بعض العقاب؛ لأن عذاب الدنيا يختص ببعض الذنوب دون بعض، وعذاب الآخرة يعم، وقيل: هو إجلاء بني النضير عن الحسن؛ لأن علماءهم لما كفروا، وكتموا عوقبوا بالجلاء والقتل، وقيل: هم بنو قريظة لما نقضوا العهد يوم الأحزاب «وِإنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ» خارجون عن أمر اللَّه تعالى «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ» إنكار وتعجيب من أهل الكتاب، وقيل: إنه خطاب لليهود، عن مجاهد وأبي علي. قال أبو علي: كان الحكم إذا توجه على ضعفائهم ألزموهم، وإذا توجه على أقويائهم لم يأخذوه به، فقيل لهم: أفحكم عبدة الأوثان «يَبْغُونَ» تطلبون وأنتم أهل الكتاب، وقيل: أراد به كل من طلب غير حكم اللَّه، أو حكم ما يوجبه الجهل «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه حُكْمًا» أي لا أحد حكمه أحسن من حكم اللَّه «لِقَوْمٍ» أي عند قوم عن أبي علي وحروف الجر تتبادل، وقيل: حكم الجاهلية يبغون عندك، وذلك لا يكون «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه حُكْمًا لِقَوْم يُوقِنُونَ» بأن ما جئت يستحق، وأنه حكم اللَّه.

  · الأحكام: يدل أول الآية أن القرآن منزل؛ لأنهم أجمعوا أن المراد بالكتاب القرآن.

  وتدل على حدثه من حيث إنه منزل، وأنه بعد كتب الأنبياء.