التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين 51 فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين 52 ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين 53}

صفحة 1995 - الجزء 3

  وقيل: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين قال لبني قريظة لما رضوا بحكم سعد بن معاذ: إنه الذبح، عن عكرمة.

  · المعنى: لما تقدم ذكر اليهود والنصارى عقبه بالأمر بقطع موالاتهم، وبالتبري منهم، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» قيل: صدقوا، وقيل: تقديره: يا أيها المؤمنون، وهو اسم تعظيم وتكرمة «لاَ تّتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارَى» خصهم بالذكر مع أن سائر الكفار بمنزلتهم، وقيل: الخطاب للمنافقين حيث أظهروا الإيمان، وعاضدوا الكفار، فخاطبهم بما ظهر منهم «أَوْلِيَاء» قيل: أنصارًا، وقيل: أخِلَّاء، والمراد: لا توالوهم فيما يتصل بالدين، ولا تعتمدوا عليهم، «بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» يعني في العون والنصرة والموالاة، فيدهم واحدة على المسلمين، والمراد بعض اليهود أولياء بعض، وبعض النصارى أولياء بعض؛ لأن بين اليهود والنصارى عداوة عظيمة، وقيل: اليهود والنصارى ينصر بعضهم بعضًا في معاداة المسلمين، وإن كان بينهم عداوة، والأول أظهر «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإنَّهُ مِنْهُمْ» يعني من والاهم ونصرهم على دينهم صار منهم، وفي دينهم وحكمه حكمهم، وقيل: هو منهم في وجوب عداوته والبراءة منه، عن أبي علي، وقيل: من تولاهم على تكذيب الرسول فهو منهم وإن أظهر الإسلام، وقيل: يصير كافرًا مثلهم «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» قيل إلى طريق الجنة والثواب، بل يضلهم عنها إلى طريق النار، عن أبي علي، وقيل: لا يحكم فيهم بحكم المؤمنين المهتدين في المدح والثناء والنصرة على الأعداء «فَتَرَى» يا محمد «الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» قيل: شك وقيل: نفاق، وقيل: غم وحزن بما يرى من أحوال الرسول وظهور دينه، وإعلاء كلمته، وقيل: هم عبد اللَّه بن أبيٍّ وأصحابه، و «يُسَارِعُونَ فِيهِم» قيل: يسارعون في موالاة اليهود، وقيل: في مصانعتهم ومناصحتهم، وكانوا ينصحون اليهود ويغشون المسلمين، وقيل: في معاونتهم على