التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون 61 وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون 62 لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون 63}

صفحة 2020 - الجزء 3

  ويكون منهم منافقون، عن أبي مسلم، وقيل: هم اليهود، عن ابن زيد «قَالُوا آمَنَّا» أي: قالوا لكم: صدقنا بما جاء به رسولكم رسول اللَّه وتبعناه «وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ» يعني أنهم مع هذا القول مقيمون على الكفر، وقيل: معناه دخلوا به على النبي ÷ والمؤمنين، وخرجوا به من عندهم، عن الحسن وقتادة، وقيل: دخلوا في أحوالهم وخرجوا به إلى أحوال أخر كقولك: هو يتقلب في الظعن ويتصرف فيه. فأطلع اللَّه نبيه على سوء خلتهم لئلا يغتروا بما لم يظهر لهم من قولهم «وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ» أي يسترون من نفاقهم، فيظهرون بألسنتهم خلاف ما في قلوبهم، وقيل: يكتمون الدلالات في الكتب على صدقه، والبشارة به، وقيل: يكتمون الكفر، عن أبي علي، ثم بَيَّنَ تعالى أنهم مع نفاقهم يضمون إليه خصالاً مذمومة، فقال سبحانه: «وَتَرَى» يا محمد «كَثِيرًا منهُم» قيل: المراد بالكثير الرؤساء علماء السوء «يُسَارِعُونَ» يبادرون يعني يَقْدُمُون على هذه الخصال، كمن لا يبالي، وإنما قال: يسارعون، ولم يقل: يعجلون - وإن كانت العجلة أدل على الذم - لوجهين: أحدهما أنهم يبادرون إليه كالمبادرة إلى الحق، فأفاد (يسارعون) أنهم يعملونه كأنهم محقون فيه. والثاني: لإزالة الإيهام بأن الذم من جهة العجلة؛ إذ الذم لأجل الإثم والعدوان، «فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» أي في فعل ذلك، والإثم: الإجرام والمعاصي، والعدوان قيل: الظلم، وقيل: مجاوزتهم حدود اللَّه وتعديهم إياها «وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ» قيل: الرشوة في الحكم، عن السدي، وقيل: الحرام، عن الأصم وأبي علي «لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي بئس العمل عملهم «لَوْلَا يَنْهَاهُمُ» أي هلا ينهاهم، والكناية فيهم تعود إلى الأكثر، وقد تقدم ذكرهم «الرَّبَّانِيُّون» قيل: العلماء بالدين منسوب إلى الرب، نحو روحاني ونجواني، وقيل: الربانيون الزهاد، «وَالْأَحْبَارُ» العلماء، وقيل: الربانيون علماء أهل الإنجيل، والأحبار علماء أهل التوراة، عن الحسن، وقيل: كلهم من اليهود؛ لأنه متصل بذكرهم «عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثمَ» قيل: تحريفهم الكتاب، وقيل: كلما قالوا بخلاف