التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين 67}

صفحة 2032 - الجزء 3

  · المعنى: لما تقدم ذكر معائب اليهود والنصارى والمشركين وذم أفعالهم أمر رسوله ÷ بتبليغ ذلك من غير خوف، ووعده النصر والعصمة منهم، فقال - سبحانه -: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ» وهذا نداء تشريف وتعظيم «بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ» أي أوصل إليهم «مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ» قيل: ما تقدم في السورة من معائب اليهود والنصارى، وقيل: في سائر الأحكام، وما يوحى إليه، وهو الصحيح الظاهر «وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» أي: إن لم تبلغ شيئًا من ذلك، وقصرت في شيء وإن قل فهو كمن لم يبلغ شيئًا منه في عظيم ما ارتكب من الإثم، وقيل: معناه إن لم تبلغ شيئًا فما أتممت رسالته؛ لأن مَنْ ترك شيئًا لا يوثق بقوله، ولا يؤمن منه النقصان والزيادة والتحريف، وقيل: معناه إن لم تبلغ جميع ذلك لم تستحق درجة الأنبياء وثوابهم، وقيل: هو إزالة التهمة أنه ما كتم شيئًا من الوحي، وقيل: بلغ جميع المنزل، وقيل: بلغ إلى الكافة، وقيل: بلغ في الحال ولا تؤخره.

  ومتى قيل: هل يظن به أنه مع صحة نبوته لا يبلغ شيئًا؟

  قلنا: يجوز أن يظن أنه يجب أداء البعض دون أداء الكل، أو يظن أنه يجب الأداء إلى بعض دون بعض، أو يظن أنه يجب في حال دون حال حتى يجب عند زوال الخوف ولا يجب مع الخوف، فأزال جميع ذلك وأمر بالتبليغ في جميع الأحوال إلى جميع الخلق «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» يعني يمنعك أن ينالوك بسوء من قتل أو قهر أو شيء يمنع الأداء، وقيل: معناه يعصمك من بين الناس؛ لأنك النبي في وقتك.

  فإن قيل: أليس عندكم تجب العصمة حتى يؤدي الرسالة فما فائدة الآية؟

  قلنا: يجوز أن تكون مؤكدة، ويجوز أن يظن أن عند الخوف الشديد يجوز تأخير الإبلاغ فأزال ذلك، ولأنه علم أنه يحرسه وقت الأداء، وبالآية علم ذلك في عموم الأحوال.