التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين 68 إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 69}

صفحة 2036 - الجزء 3

  · المعنى: لما تقدم الأمر بتبليغ الرسالة بين أن من جملة ما تحمله في هذه الآيات، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ» قيل: لستم على شيء من الدين الصحيح ما لم تُقِرُّوا بالكتابين والقرآن، وقيل: لستم من كفركم على طائل؛ لأن عاقبة فعلكم العقاب دون الثواب «حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ» أي حتى تعملوا بما فيهما من البشارة بمحمد والتصديق به، وقيل: هذا كان قبل النسخ، عن أبي علي، كأنه حمله على عموم الأحكام، وقيل: إقامتهما التمسك بما فيهما من التوحيد والعدل، وأصول الدين التي لا يرد عليها النسخ، فإن فيها خلاف ما عليه اليهود والنصارى من التثليث والتشبيه والجبر «وَمَا أُنزِلَ إِلَيكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ» قيل: القرآن والخطاب لليهود، ولما خوطبوا به جاز أن يقال أنزل عليكم، وقيل: ما أنزل عليكم من صفة محمد ÷ «وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ» يعني يزيدون عند نزوله كفرا وطغيانًا، وقد بَيَّنَّا معنى الطغيان، وذكرنا فائدة الجمع بينهما «فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» أي لا تحزن على تكذيبهم، فإن ضرره عائد عليهم، وقيل: لا تحزن فإن تكذيب الأنبياء عادتهم، وفيه تسلية للنبي ÷، وقيل: لا تحزن على هلاكهم وعذابهم فذلك جزاؤهم، ثم بَيَّنَ حال من آمن منهم فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا «وَالَّذِينَ هَادُوا» اليهود «وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ» قيل: المراد أن الَّذِينَ آمنوا بأفواههم لو آمنوا بقلوبهم، وهم المنافقون عن الزجاج، وقيل: إن الَّذِينَ آمنوا «مَنْ آمَنَ» أي دام على الإيمان والإخلاص ولم يرتدوا عن الإسلام، عن أبي علي، وقيل: إن الَّذِينَ آمنوا بالكتب المتقدمة مَنْ آمن بالقرآن «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» يعني