التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون 70 وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون 71}

صفحة 2037 - الجزء 3

  يوم القيامة سمي آخرًا لتأخره عن الدنيا «وَعَمِلَ صَالِحًا» أي عمل الطاعات «فَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» أي: لا يلحقهم خوف ولا حزن.

  ومتى قيل: أليس يلحقهم أهوال القيامة؟

  قلنا: فيه قولان:

  الأول: لا، بل يزيدهم سرورًا، عن أبي علي.

  الثاني: ذلك عارض يزول فلا يعتد به، عن أبي القاسم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن أهل الكتاب ليسوا على شيء، فتدل على بطلان تمسكهم بما تمسكوا به.

  وتدل على أن الإيمان لا يقتضي الأجر ما لم ينضم إليه العمل الصالح، بخلاف قول المرجئة.

  وتدل على أن المؤمنين لا يخافون، ولا يحزنون في الآخرة؛ لأن الآية مطلقة، بخلاف قول أبي القاسم.

  وتدل على أنه لا يلحقهم عذاب القبر، بل تصل إليهم النعم في قبورهم، خلاف قول الحشوية.

  ومتى قيل: إذا كان المنزل يزيدهم طغيانًا دل أنه أراد بإنزاله طغيانهم؟

  فجوابنا: ليس كذلك، والمراد أنهم عنده يصيرون كذلك؛ لقوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} وكما يقال: ما زدتك بالموعظة إلا شرًّا.

  وتدل على أن للعبد فعلاً.

قوله تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ٧٠ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ٧١}