قوله تعالى: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون 70 وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون 71}
  ورفع (فتنة) على معنى: وحسبوا ألَّا تقع فتنة. (عموا وصموا) فجمع، ثم قال: «كثير منهم»، وإنما جاز ذلك؛ لأنه لما قال: «فعموا وصموا» كأنه قيل: من هم؟ فقال: كثير منهم، كما تقول العرب: أكلوني البراغيث، كأنه قال: أكلوني فقيل: من؟ قال: البراغيث، وخفف (عموا) لأنه من عَمِيَ يَعْمَى، وشدد (صموا)؛ لأنه من الصمم، فلا بد من تثقيل الميم.
  · النظم: قيل: لما بَيَّنَ تعالى أنهم ليسوا على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم بين المنزل، وما أخذ عليهم من الميثاق، وأنهم قبلوا ثم خالفوا، عن أبي مسلم.
  وقيل: لما بَيَّنَ أنهم ليسوا على شيء حتى يؤمنوا بمحمد بين أنه أخذ عليهم الميثاق بذلك، وقصدهم بالخطاب عن الأصم.
  وقيل: لما بَيَّنَ أنهم ليسوا على شيء بَيَّنَ أن ذلك مما أخذ عليهم فيه الميثاق.
  · المعنى: «لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاق» أي أخذنا عهدهم، والميثاق العهد المؤكد باليمين، واختلفوا في ذلك، فقيل: هو ما أخذ عليهم أنبياؤهم في الإيمان بمحمد، وقيل: هو ما أخذ عليهم في إخلاص التوحيد والعمل بما أمر، والانتهاء عما نهى، ولا تنافي بينهما، فيحمل على الجميع «بَنِي إِسْرَائِيلَ» أولاد يعقوب، وإنما احتج على هَؤُلَاءِ المخاطبين بذكر الميثاق؛ لأنهم عرفوا ذلك في كتبهم واعترفوا بصحته، فالحجة لازمة عليهم، وتلزمهم المذمة بالمخالفة، كما لزمت آباءهم، وقيل: المراد به اليهود والنصارى، وما أمروا به في الكتابين «وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا» يعني رسل بني إسرائيل «كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ» قيل: الَّذِينَ قتلوا: اليهودُ، والَّذِينَ كذبوا اليهود والنصارى، عن الأصم.