التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون 70 وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون 71}

صفحة 2040 - الجزء 3

  ومتى قيل: كيف يجوز القتل على الأنبياء؟

  قلنا: يجوز بعد التبليغ كما جاز موتهم، عن أبي علي وجماعة، وقِيل: الرسل على نوعين: أصحاب شرائع، فلا يجوز أن يقتلوا كنوح وإبراهيم وموسى وأشباههم $، ومنهم رسل يعلمونهم ما ضيعوا، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، فيجوز أن يقتلوا، عن الأصم، والأول أصح.

  ومتى قيل: فلم عصم نبينا ولم يعصمهم؟

  فجوابنا: قيل لبقاء المصلحة، وتعلقها به، وقيل: لأن العرب كانت أهل لسان وبيان، يعدون ذلك من مفاخرهم، وكانوا أهل حرب وشنآن، فنقض عادتهم بالوجهين بالقرآن والعصمة، «وَحَسِبُوا» ظنوا «أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» قيل: اختبار وامتحان، وقيل: عقوبة على قتلهم وتكذيبهم، وقيل: شديدة، وقيل: كفر وتحير في الدين «فَعَمُوا وَصَمُّوا» يعني عن الحق تشبيهًا بالأصم والأعمى الذي لا يهتدي إلى منافعه، وقيل: تركوا التدين في الحج، عن أبي مسلم، وقيل: تجرؤوا على قتل الأنبياء، وعموا عن النظر في دلائلهم، فصموا عن سماع الحق منهم، وقيل: تحيروا في المسيح فقالت اليهود: كذاب، وقالت النصارى: إله، فمثل المتحير فيه كأنه أصم وأعمى، لا يبصر ولا يسمع، وقيل: تحيروا في دينهم، فجعل اللَّه لهم نورًا بأن بعث محمدًا ÷ فعموا عنه وصموا، وكذبوه، عن الأصم «ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيهِمْ» أي: ندموا فقبل اللَّه توبتهم، فلما انقضت تلك القرون ونشأت قرون تخلقوا بأخلاق آبائهم، فعموا عن الحق، وصموا عن استماعه، والمراد كفروا بعد الإيمان، وقيل:

  رفع اللَّه عنهم البلاء فعادوا كما كانوا «كَثِيرٌ مِنْهُمْ» قيل: أراد من كان في عصر نبينا ÷، وقيل: كثير منهم في كل وقت «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ» أي عليم بأعمالهم يجازيهم بها، وفيه وعيد لهم.