قوله تعالى: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون 75 قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم 76 قل ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل 77}
  جبريل حين أتاها بالبشارة، عن مقاتل «كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ» احتجاج من اللَّه عليهم بأن سبيلهما سبيل سائر البشر في الحاجة إلى الطعام من حيث إنهما جسمان، وقد اختص عيسى مع ذلك بأن ولدته مريم، وفيه سمة الحدث؛ لأن الأجسام محدثة، وكل ذلك ينفي صفة الإلهية، وقيل: كانا يأكلان الطعام عبارة عن الحدث؛ أي من يطعم ويحدث لا يكون إلهًا، وقيل: وجه الاحتجاج أنه ابن مريم، ويأكل، ورسول، وكل ذلك يدل أنه ليس بإله «انظُرْ» يا محمد «كَيْفَ نُبَيِّنُ» نوضح «لَهُمُ الْآيَاتِ» حجج التوحيد «ثُمَّ انظُرْ» تفكر في شأنهم أنهم مع هذه الآيات كيف «يُؤْفَكُونَ» يضرفون عن الحق الذي تؤديه إليهم، والآيات الدالة على بطلان قولهم، فأمره اللَّه بنظرين: أحدهما: إلى قوله الجميل في نصب الآيات وإزاحة العلة، والثاني: إلى قولهم القبيح، وتركهم التدبر في الآيات، ثم زاد في الاحتجاج فقال: «قُلْ» يا محمد «أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي سوى اللَّه «مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا» أي لا يقدر لكم على نفع ولا ضر؛ لأن المستحق للعبادة إنما هو القادر على أصول النعم من النفع والضر، كالخلق والإحياء والرزق ونحو ذلك، وغير اللَّه تعالى لا يقدر عليه، فلا يستحق غيره العبادة «وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ» لأقوالكم «الْعَلِيمُ» بضمائركم، قيل: إنه استدعاء إلى التوبة، وقيل: تحذير من الجرائم دعاهم إلى الحق وترك الغلو، فقال تعالى: «قُلْ» يا محمد «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ» قيل: الخطاب للنصارى لغلوهم في أمر المسيح، وقيل: لليهود والنصارى لغلوهم جميعًا، أما النصارى فيدعون أنه إله أو اتحد به الإله، واليهود تزعم أنه لغير رَشْدَة وأنه كذاب، عن أبي علي «لاَ تَغْلُوا فِي