التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين 87 وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون 88}

صفحة 2060 - الجزء 3

  اختلط بالحرام - وبالنجاسة؛ لأن ما سوى ذلك يؤثر في تحريم الحلال «طَيِّبَاتِ» قيل: الحلال، عن أبي مسلم، وقيل: اللذات التي تشتهيها النفوس، وتميل إليها القلوب، عن أبي علي والقاضي.

  ومتى قيل: فما فائدة النهي عن التحريم وهو لا يصير محرمًا بتحريمه؟

  قلنا: قيل: للمنع من التشبيه بالرهبان في تحريم هذه الأشياء، وقيل: إن التلذذ له مدخل في وجوب العبادة، وداع إلى الشكر، فالامتناع على الدوام منه حماية، وقيل: لأنه تعالى أعلم بالمصالح فيحل ويحرم خلاف ذلك، فقد ترك المصالح، وعلى ما قاله القاضي الفائدة ظاهرة؛ أي لا تفعلوا فِعْلاً يحرم عليكم به الحلال، كأنه قال: لا تحرموا الطيبات بالغصب وبالأسباب المنهي عنها؛ لأن الشيء الحلال إذا غصبه حرم عليه «مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ» أي أباحه من أنواع الأطعمة والأشربة والملابس والطيب والنساء ونحوه «وَلاَ تَعْتَدُوا» أي لا تجاوزوا حد اللَّه قيل: بالظلم على النفس وعلى الغير، وقيل: عن الحلال إلى الحرام، ومن السعة إلى الضيق على النفس، وقيل: هو جب المذاكير، وقطع آلة النسل، وذلك مما يحرم «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» يعني يبغض من يجاوز حد اللَّه، وهذا وعيد لهم كأنه قيل: يكفيهم في الهلاك أنه لا يحبهم «وَكلُوا» المراد به الإباحة وإن كان صيغته صيغة الأمر، وقيل: المراد الأكل نفسه، وقيل: سائر التصرفات، وخص الأكل؛ لأنه معظم المنافع «مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّه» أي مما أعطاكم من الرزق «حَلَالاً طَيِّبًا» أي مباحًا لذيذًا «وَاتَّقُوا اللَّهَ» أي اتقوا معاصيه، وقيل: اتقوا الحرام؛ لأنه كما أباح الحلال حرم الحرام، وقيل: اتقوا تحريم الطيبات «الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤمِنُونَ» يعني إذا آمنتم به وَوَعْدِهِ ووعيده فاتقوه فإن الإيمان به يقتضي الاتقاء، وقيل: إنه استدعاء للتقوى؛ أي لا تضيعوا إيمانكم بالتقصير في التقوى فتكون عليكم الحسرة العظمى.