التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون 89}

صفحة 2065 - الجزء 3

  قول جل المفسرين والفقهاء «بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ» قيل: اللغو أن يحلف على شيء يظنه كذلك ولم يكن كذلك، عن الحسن وأبي مالك والشعبي والنخعي وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم، وقيل: هو ألّا يقصد فيجري على لسانه من غير قصد نحو: واللَّه، وبلى واللَّه، عن أبي علي وجماعة، وهو مذهب الشافعي، واختاره القاضي، وقيل: اللغو أن يحلف على معصية، فعليه أن يكفرها ولا يؤاخذ بها، عن سعيد بن جبير «وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ» أي عقدتم قلوبكم عليه، وقيل: قصدتم إليه وتعمدتم، وقيل: هو ما انعقد من اليمين فيصح فيه الحنث والبر، وهو أن يكون على المستقبل، عن أبي حنيفة وأصحابه.

  ومتى قيل: هل تثبت الكفارة إلا مع المؤاخذة؟

  قلنا: لا، الكفارة تتضمن تكفير الذنب، فإذا لم يكن عقاب فلا كفارة، فإن وجبت في موضع لا عقوبة فيه فهو مجاز «فَكَفَّارَتُهُ» قيل: كفارة ما عقدتم، وقيل: كفارة اللغو، وقيل: كفارة ما حنثتم فيه، وهو الوجه؛ لأنهم أجمعوا أن الكفارة لا تجب إلا بعد الحنث «إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ» أي إعطاء الطعام إلى عشرة فقراء، ثم اختلفوا، فقيل: لكل فقير مُدّ، وهو رطلان وثلث، وهو نصف مَنٍّ وستة أشتار وثلثان، وهو قول الشافعي، وكذلك سائر الكفارات، وروي نحوه عن زيد بن ثابت وابن عباس وعطاء والحسن، وقيل: نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر، وكذلك سائر الكفارات، وهو قول عمر والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وأبي حنيفة وأصحابه، وقيل: غداء وعشاء عن علي ومحمد بن كعب، ويجوز ذلك عند أبي حنيفة، وقال الشافعي: لا يجوز. «مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهلِيكُمْ» يعني من أعدل ما تطعمون من تعولونه من الأهل، وقيل: من خير قوت عيالكم، ثم اختلفوا، فقيل: هو الخبز والإدام وأفضله اللحم، عن ابن عمر والأسود وعبيدة،