التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون 90 إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون 91}

صفحة 2074 - الجزء 3

  والثاني: تغليظ فعلهم في طاعة الشيطان بالإقامة على الأفعال التي يدعوهم إليها، يعني فهل أنتم منتهون عن طاعة اللَّه بصده إياكم عنها، قال: والأول أقرب وأصح.

  · النزول: قيل: لما نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} قال عمر بن الخطاب: اللَّهم بَيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت الآية، فقال عمر: انتهينا يا رب.

  وقيل: إنها نزلت لما لاحى سعد بن أبي وقاص رجلاً من الأنصار يسمى عتبان ابن مالك، وقد كانا شربا الخمر، فضربه بِلَحْيِ جمل، فشج سعد، فنزلت الآية.

  · المعنى: ثم نهى اللَّه تعالى عن أفعال لأهل الجاهلية، ونقلهم منها إلى شريعة الإسلام عطفًا على ما بين من الأحكام، فقال - سبحانه -: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» قيل: صَدَّقُوا، وقيل: أراد أيها المؤمنون، والأول الوجه «إِنَّمَا الْخَمْرُ» لا بد فيه من حذف يعني شرب الخمر أو تناوله أو التصرف فيه، ولا يجوز أن ينصرف التحريم إلى عين الخمر، ولا كونه رجسًا، وكذلك الأنصاب والأزلام لا بد فيه من حذف، أي عبادة الأنصاب، وفعل الأزلام، ولا يجوز أن يكون المراد أعيانها لوجوه: منها: أن قوله: «رجس» عبارة عن القبيح، وذلك ينصرف إلى الأفعال دون الأعيان، ولأن هذه الأعيان من فعل اللَّه تعالى ولا يجوز أن تكون عمل الشيطان، ولأن الأمر والنهي لا يتعلقان بالأعيان، وكذلك الثواب والعقاب، والتحريم والتحليل، ولأن الانتهاء عن الأعيان لا يُتَصَوَّرُ، والعداوة والبغضاء لا تحصل بالأعيان، وكل ذلك يدل أن المراد