قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون 90 إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون 91}
  منه محذوف، وأراد أفعالنا في هذه الأشياء، إلا أنه حذف إيجازًا لدلالة الكلام عليه، فحرم شرب الخمر بالآية، وجميع التصرفات فيه من بيع وشراء وغيره، واختلفوا، فقيل: الخمر عصير العنب التي إذا غلا واشتد وقذف بالزبد عند أهل العراق، وقال الشافعي: ما أسكر كثيره فقليله خمر وهو قول الهادي، «وَالْميسِرُ» هو القمار، قال مجاهد: كل شيء قمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز، «وَالْأَنصَابُ» قيل: الأوثان، وقيل: الحجارة التي كانوا يذبحون عندها للأصنام، وقيل: حجر تصب عليه دماء الذبائح للأصنام «وَالْأَزْلاَمُ» القداح. «رِجْسٌ» يعني إثم وفساد، وقيل: خبيث، وقيل: معناه أنه يجب تجنبه كما يجب تجنب الأنجاس «مِنْ عَمَلِ الشَّيطَانِ» أي يدعو إليه الشيطان، ويزينه فهو من أعماله التي يدعو إليها «فَاجْتَنِبُوهُ» أي لا تشربوه، ولا تتخذوه «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» يعني لتفلحوا، والفلاح الظفر بالثواب والجنة. ثم بَيَّنَ تعالى أنه إنما نهى عن الخمر لما فيه من الصلاح لكم، ولما فيه من خير الدارين، فقال تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَينَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيسِرِ» يعني يزين لهم ذلك، فإذا سكروا وزالت عقولهم أقدموا على القبائح.
  ومتى قيل: زوال العقل هل يباح؟
  قلنا: ذلك فعل اللَّه تعالى لا يتعلق به التكليف أيضًا، وإنما يتعلق له بالتعرض له بشرب الخمر كما أن الموت فعل اللَّه، والتعرض له بشرب السم والإلقاء في الماء والبرد، وهو المنهي عنه، فأما أن يكون في حال السكر فقيل: لا يتعلق به التكليف أيضا، وقيل: يتعلق، وعلى الأول الخطاب ورد في التعرض لما فيه العداوة والبغضاء، وقال قتادة: كان الرجل يقمر في ماله وأهله فيبقى حزينا سليبا فيكسبه ذلك العداوة والبغضاء. «وَيَصُدَّكُمْ» يمنعكم «عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» عن عبادته والائتمار لأمره، «وَعَنِ الصَّلاَةِ» التي هي قوام دينكم «فَهَلْ أَنْتُم مُنتَهونَ» أي: انتهوا عما نهاكم عنه ربكم.