التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم 94 ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام 95}

صفحة 2089 - الجزء 3

  صام بالاتفاق، واختلفوا في الإطعام على ما بينا «أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا» أي مثل ذلك صيامًا، قيل: لكل مد صوم يوم، عن عطاء والشافعي، وقيل: لكل طعام مسكين صيام يوم، وهو نصف صاع من بر أو صاع من شعير، عن أبي حنيفة، وهو قول أبي علي، وقيل: يصوم ثلاثة أيام إلى عشرة، عن سعيد بن جبير، واختلفوا في هذه الثلاثة، فقيل: إنه على الترتيب، ودخلت (أو)؛ لأنه لا يخرج حكمه عن أحد الثلاثة، عن ابن عباس بخلاف، ومجاهد وعامر وإبراهيم والسدي، وهو قول زفر، وقيل: إنه على التخيير، عن ابن عباس وعطاء والحسن وإبراهيم وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي وأبي علي ويحيى الهادي، وقيل: الهدي فيما يبلغ الهدي والإطعام فيما لا يبلغ الهدي، حكاه الأصم «لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ» أي وخامة عاقبة أمره وثقله، وقيل: عقوبة فعله في الآخرة إن لم يتب، وقيل: هو ما لزمه من الجزاء.

  ومتى قيل: هي عبادة فلا تسمى وبالاً، بل هي نعمة ومصلحة.

  قلنا: إنه عند المعصية شدد عليه التكليف، فيثقل عليه كما حرم الشحوم على اليهود عند اعتدائهم في السبت مصلحة لهم.

  «عَفَا اللَّه» أي تجاوز «عَمَّا سَلَفَ» مضى، قيل: من أمور الجاهلية، عن الحسن، وقيل: عما سلف عن الصيد بعد نزول التحريم بالتكفير، وقيل: عفا عنهم ما مضى قبل التحريم، «وَمَنْ عَادَ» أي في الاصطياد بعد نزول التحريم، وقيل: عاد فيه فعلاً، وقيل: عاد مستحلاً فيكفر «فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ» أي يعذبه، واختلفوا في العائد، فقيل: يلزمه الجزاء، عن عطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد وأبي حنيفة والشافعي ويحيى الهادي، وقيل: إن عاد لا يلزمه الجزاء، وقيل له: ينتقم اللَّه منك، عن ابن عباس وشريح والحسن وإبراهيم، والأول الوجه؛ لأن الانتقام لا ينافي الجزاء