التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين 106}

صفحة 2120 - الجزء 3

  وقيل: معناه من حي الموصي، عن الحسن وعكرمة وعبيدة «أَوْ آخرَانِ» قيل: (أو) للتفصيل لا للتخيير؛ لأن المعنى: ذوا عدل منكم، فإن لم يكن منكم فمن غيركم، عن شريح وعبيدة وابن عباس وإبراهيم والسدي، وقيل: هو للتخيير فمن يسميه المُوصِي من مؤمن أو كافر، آخران اثنان «مِنْ غَيرِكُم» من غير أهل ملتكم، يعني من غير المسلمين، عن ابن عباس وأبي موسى وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وإبراهيم وعبيدة وابن سيرين ومجاهد وابن زيد وأبي علي، وقيل: من غير عشيرتكم، عن الحسن والزهري وعكرمة وابن شهاب والأصم، قال الحسن: لأن عشيرة الموصي أعلم بأحواله من غيرهم، وقيل: لأنهم يكونون أوعى لحقوق الميت «إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ» أي سافرتم «فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ» في الكلام محذوف، تقديره: فأصابتكم مصيبة الموت وقد أسندتم الوصية إليهما، ودفعتم المال إليهما، وارتاب الورثة بهما واتهموهما في ذلك، وادعوا عليهما خيانة، فالحكم فيه أن «تَحْبِسُونَهُمَا» أي تستوقفونهما، وهما خطاب للورثة في أن يوقف، والكناية فيهما قيل: ترجع إلى الشاهدين، وقيل: إلى الوصيين على حسب اختلافهم في «ذوا عدل منكم»، وقيل: هما في الكفار، فأما في المسلمين فلا يمين عليهما عن ابن عباس «مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ» قيل: صلاة العصر، عن شريح وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة، وقيل: صلاة الظهر أو العصر، عن الحسن؛ وذلك لتعظيم وقت الصلاة، وإيجاب حرمته، وقيل: صلاة أهل دينهما يعني في الذمي، عن ابن عباس؛ لأنهم لا يعظمون أوقات صلاتنا، «فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ» أي يحلفان بِاللَّهِ «إِنِ ارْتَبْتُمْ» شككتم واتهمتم، وهو خطاب للورثة «لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا» أي لا نحلف بِاللَّهِ كاذبين لعوض نأخذه «وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى» أي وإن كان الذي نقسم له ذا قرابة منا «وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادةَ اللَّهِ» يعني شهادة لزمنا أداؤها بأمر اللَّه «إِنَّا إِذًا» إن فعلنا ذلك كنا «لَمِنَ الآثِمِينَ» المجرمين أي النادمين.