قوله تعالى: {إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين 110}
  «اذْكُرْ نِعْمَتِي» اشكرها «عَلَيكَ» أي ما أنعم عليك من النبوة والمعجزة ورفع الشأن «وَعَلَى وَالِدَتِكَ» أي أنعم عليها بضروب النعم، ثم فصل النعم، فقال سبحانه: «إِذْ أَيَّدتُّكَ» قَوَّيْتُكَ «بِرُوحِ الْقُدُسِ» قيل: الروح جبريل، والقدس هو اللَّه، كأنه أضافه إلى نفسه تعظيمًا، عن الحسن، وقيل: هو ما نفخ في مريم فخلق منه عيسى، عن أبي علي، والقدس الطاهر «تُكلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً» وقيل: تكلم صبيًّا وكهلاً على حَدٍّ واحد، عن أبي مسلم، وقيل: تَكَلَّم صغيرًا في المهد بالحق، وتكلم كهلاً بالرسالة، وقيل: أيدتك صبيًّا تكلم في المهد، وأيدتك كهلا، «وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ» قيل: الخط والكتابة، وقيل: الإنجيل، عن الأصم، وقيل: الكتب، وذكر الكتاب وأراد الجنس «وَالْحِكْمَةَ» أي العلم والشريعة، «وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ»، قيل: هو تفصيل الكتاب، وقيل: هو معطوف عليه غيره، وقيل: بعثه اللَّه وهو ابن ثلاثين سنة، ولبث ثلاثين شهرًا، ثم رفعه اللَّه، عن ابن عباس، وقيل: كان رسولاً من وقت صغره إلى وقت كبره، عن أبي علي.
  ومتى قيل: أليس في إرسال صبي تنفير عنه؟
  قلنا: إنما يكون تنفيرًا إذا كان باقيًا على حاله في الصبا، فأما إذا كان على ما كان عليه عيسى # ففيه الإعجاز، ويكون أقرب إلى القبول.
  ومتى قيل: كيف المراد بتعليم التوراة والإنجيل؟
  قلنا: علمه التوراة حتى حفظها، وأنزل عليه الإنجيل حتى حفظه.
  ومتى قيل: كيف يحفظ جميع هذه الكتب في مدة يسيرة؟
  قلنا: الحفظ فعل اللَّه تعالى بالعادة عند القراءة والتكرار، فَنَقَضَ العادة فيه،