التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين 110}

صفحة 2134 - الجزء 3

  وخلق فيه جميع ذلك «وَإِذْ تَخْلُقُ» تصوِّر وتقدِّر «مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ» أي خلقته وصورته «بِإِذْنِي» قيل: بأمري، وقيل: بعلمي «فَتَنفُح فِيهَا» يعني في الهيئة والصورة «فَتَكُونُ طَيرًا» أي: تصير طيرًا حيًّا «بِإِذْنِي» بأمري «وَتُبْرِئُ» تصح وتشفي «الأَكمَهَ» الذي ولد أعمى «وَالأبرَصَ» من به برص مستحكم «بِإِذْنِي» بأمري «وَإذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى» أي: تدعوهم، فيخرجون من قبورهم أحياء إليك «بِإِذْنِي» وروي أنه أحيا سامَ بنَ نوحٍ، ورجلين وامرأة وجارية «وَإِذْ كَفَفْتْ» أي منعت وصرفت «بَنِي إِسْرَائِيلَ» يعني اليهود «عَنكَ» أي عن قتلك حين هموا بقتلك «إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ» أي أتيتهم بالحجج والمعجزات «فَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا» جحدوا نبوتك «إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ» يعني: عيسى سِحْرٌ، أي ما جاء به «مُبِين» ظاهر واضح.

  · الأحكام: تدل الآية على عظيم نعمه تعالى على عيسى بما عد في الآية.

  وتدل على أن الخلق معناه التقدير، فلذلك أضاف إلى عيسى، وإلا فالأجسام التي هي الطير لا يقدر عليها غيره تعالى.

  وتدل على أن ما فَعَلَ عيسى فعله بأمره.

  ومتى قيل: إذا كان جميع ذلك فِعْلَهُ تعالى لا يقدر عليه عيسى # فلمَ أضافه إليه؟

  قلنا: لأنه فَعَلَهُ عند مسألته، ودعائه معجزة له، ولولاه لما فعل.

  وتدل على معجزات عظيمة لعيسى، وتدل على أنه كان نبيًّا في ذلك الوقت؛ لأن المعجز لا يجوز ظهوره على غير الأنبياء.

  وتدل على كذب من قال: إن عيسى قُتِلَ؛ لأنه تعالى بَيَّنَ أنه كفهم عنه.