قوله تعالى: {إذ قال الحواريون ياعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين 112 قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين 113}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما سأل الحواريون، فقال سبحانه: «إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ» يعني أنصار عيسى «يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ» قيل: هل يفعل ربك كما يقال: هل تستطيع أن تنهض؛ أي هل تفعل؛ لأن المنافي من جهة الحكمة كالمنافي من جهة القدرة، وقيل: هل يستجيب لك ربك، قال السدي: هل يطيعك ربك إن سألته، فهذا على أن (استطاع) بمعنى (أطاع)، والسين زائدة، وقيل: هل يقدر، وكان هذا في ابتداء أمرهم قبل أن تستحكم معرفتهم بِاللَّهِ؛ ولذلك أنكر عليهم عيسى فقال: «اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»، وقد روينا عن عائشة إنكار ذلك، وبَيَّنَا أن وصفهم بالإيمان ينافي ذلك، وإنما أنكر عيسى سؤال المائدة؛ ولذلك أوعد اللَّه تعالى بعد إنزاله بالعذاب ولم ينكر هذه المقالة «أَنْ يُنَزّلَ عَلَينَا مَائِدَةً» أي: خوانًا عليه طعام «مِنَ السَّمَاءِ» فقال عيسى # مجيبًا لهم: «اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» قيل: اتقوا فلا تشكوا في قدرته إن آمنتم به، وقيل: اتقوا اللَّه فلا تسألوه شيئًا لم يسأله، عن الأصم، وقيل: نهاهم لأنه اقتراح معجزة بعد ظهور معجزات كثيرة مع جواز أن يكون مفسدة، وهو الوجه، «قَالُوا» يعني الحواريين «نُرِيدُ» نحب «أَنْ كلَ مِنْهَا» من المائدة «وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا» أي تسكن بذهاب الشك، وليس بالوجه وقيل: لنعاين ونعلم ضرورة كقول إبراهيم {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، «وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا» بأنك رسول «وَنَكُونَ عَلَيهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ» لله بالتوحيد، ولك بالنبوة، وقيل: نكون من الشاهدين عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم.
  · الأحكام: تدل الآية على سؤالهم عيسى ونهيه، وقد بينا ما قيل فيه.
  وتدل على أنهم سألوه الطعام؛ لأن اسم المائدة يتناوله، ولقولهم: نأكل منها.
  ومتى قيل: كيف قالوا: «وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا» بعدما أقروا برسالته؟