التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين 114 قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين 115}

صفحة 2140 - الجزء 3

  عيدًا، فلما كان في موضع الحال لم يدخله الجزم، ونصب «آية»؛ لأنه خبر (كان)، تقديره: تكون المائدة آية منك.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما دعا به عيسى؟ وما أجيب به في ذلك، فقال سبحانه: «قَال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» قيل: سأل عن قومه لما التمسوا منه، وقيل: سأل بإذن اللَّه له في السؤال «اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا» قيل: تنزل ونحن نراها عن أبي علي «مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ» خوانًا عليه طعام «تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا» قيل: نتخذ ذلك اليوم الذي تنزل فيه المائدة عيدًا نعظمه نحن ومَنْ يأتي مِنْ بعدنا، عن قتادة وابن جريج والسدي وأبي علي، وقيل: عائدة فضل من اللَّه علينا ونعمة منه لنا، وقيل: يومًا نصلي فيه، عن سفيان، وقيل: نجعل ذلك اليوم يومًا نتقرب إليك بالقرابين «لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا» قيل: تكون عيدًا لأولنا وآخرنا، وقيل: يأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم، عن ابن عباس، فسألوا بقاء المائدة إلى آخر الناس، «وَآيَةً مِنْكَ» أي مع كونها نفعًا معجزة لنبيك، قال الأصم: لأول أمتي وآخرها حتى يجيء محمد فينسخ ذلك «وَارْزُقْنَا» قيل: اجعل ذلك رزقًا لنا، وقيل: ارزقنا الشكر عليها، كلاهما عن أبي علي، قال اللَّه مجيبا لعيسى: «إِنِّي مُنَزِّلُهَا» يعني المائدة «عَلَيكُمْ» قيل: بالتشديد إني منزلها مرة بعد مرة، وبالتخفيف مرة واحدة «فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ» أي: بعد نزول المائدة، قيل: هو شرط، عن الحسن، وقيل: هو ابتداء كلام، عن غيره من المفسرين «فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا» قيل: أراد عذاب الاستئصال، وقيل: عذاب الآخرة «لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ» قيل: لأنهم مسخوا قردة، وقيل: من عالمي زمانهم، وقيل: جنس من العذاب لا يعذب به غيرهم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن المائدة نزلت لقوله: «إِنِّي مُنَزِّلُهَا» وقوله: «فَمَنْ يَكْفُرْ» بحق النزول، وليس بشرط، بل هو إخبار بما يفعله بمن يكفر.