التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين 114 قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين 115}

صفحة 2141 - الجزء 3

  ويدل على أن غرضهم كان على الخوان؛ لذلك قال: «نَأْكُلَ مِنْهَا» «وَارْزُقْنَا» فيبطل قول مَنْ زعم أن المائدة نزلت خالية من الطعام.

  ويدل قوله: «خَيرُ الرَّازِقِينَ» أن غير اللَّه يرزق كقوله: {أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

  وتدل على عظم عذاب أولئك، وهكذا جرت العادة إذا اقترحوا شيئًا، ثم كفروا بعد ذلك، فإنه تعالى يعذبهم بعذاب الاستئصال؛ ولذلك لم يفعل تعالى كثيرًا مما اقترحوا على نبينا ÷؛ وذلك لأنهم إذا سألوا وعاينوا ثم كفروا كان فعلهم أفحش، وعن عبد اللَّه بن عمر: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة المنافقون ثم من كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون»، وقيل: مسخوا قردة.

  القصة

  قيل: إنهم سألوا عيسى ذلك عند نزولهم في مفازة على غير ماء ولا طعام، ثم اختلفوا، فقيل: سأل عيسى عنهم، وإن أضاف إلى نفسه، كما سأل موسى الرؤية عن قومه، وإن أضافه إلى نفسه، لكن دلالة الحال تدل عليه، وقيل: بل سأل عن نفسه بإذن اللَّه، واختلفوا، هل نزلت المائدة فقيل: بلى، عن ابن عباس وعمارة وقتادة والسدي وأكثر أهل العلم، وقيل: لا، عن الحسن ومجاهد، قال الحسن: لما قال: «أُعَذِّبُهُ عَذَابًا» استعفوا، وقالوا: لا نريد، والصحيح الأول، وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنها نزلت، وقيل: نزلت يوم الأحد فجعلوها عيدًا، عن كعب، واختلفوا في صفة ما نزل على خمسة أقوال:

  الأول: خبز وسمك عن ابن عباس وفي حديث مرفوع: «خبز ولحم».

  الثاني: ثمر من ثمار الجنة عن عمارة.

  الثالث: كان عليها من كل طعام إلا اللحم، عن زاذان وأبي ميسرة.