التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال الله ياعيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب 116 ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد 117 إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم 118}

صفحة 2145 - الجزء 3

  أن أمه ولدت إلهًا، فإن كان ولدها إلهًا فهي أولى، وقيل: قد كان ذلك قولاً لهم، وقيل: أعطوها اسم القدماء وأخرجوها عن أسماء النساء، وهذا يرجع إلى ما بينا من الأقانيم فقد اتخذوها إلهًا من جهة المعنى وإن لم يصرحوا به، وقيل: بلغوا بتعظيمها وتعظيم ابنها الآلهة، والوجه الأول؛ لأنه قول لجميعهم، «مِنْ دُونِ اللَّهِ» قيل: (من) لابتداء الغاية، كأنه قيل: من دون عبادة اللَّه؛ لأنها صارت بدلاً من الإخلاص لعبادة اللَّه، وقيل: هو تأكيد للتمكين في النفس «قَال» يعني عيسى «سُبْحَانَكَ» أي: تنزيهًا لك، وبراءة مما لا يجوز عليك، وقيل: تنزيهًا لك من أن تبعث رسولاً يدعي الإلهية لنفسه ويكفر بنعمتك، فجمع بين التوحيد والعدل ثم تبرأ من قول النصارى، فقال: «مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقّ» يعني إذ كنت رسولاً فكيف أقول خلاف الحق؟ وقيل: العبادة إنما تحق لك لقدرتك على أصول النعم، ولا تحق لي، فكيف أقول لنفسي ما ليس لي بحق؟ ثم استشهد اللَّه على براءته من ذلك القول فقال سبحانه: «إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ» يعني تعلم أني لم أقله «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» قيل: تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي، فذكر النفس لمزاوجة الكلام؛ لأن ما يخفيه كأنه أخفي في النفس، وقيل: تعلم ما عندي، ولا أعلم ما عندك، وقيل: تعلم ما في غيبي، ولا أعلم ما في غيبك، عن ابن عباس. وقيل: تعلم ما كان مني في الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في الآخرة، عن أبي روق، وقيل: تعلم جميع ما أعلم ولا أعلم جميع ما تعلم، عن الزجاج، وقيل: معنى النفس ذاته، يعني تعلم ما أقول وأفعل ولا أعلم ما تقول وتفعل، عن الأصم. وقيل: أراد بقوله: «نَفْسِكَ» نفس عيسى إلا أنه أضافه إليه من حيث خلقه وملكه، يعني تعلم مما في نفسي أمورًا لا أعلمها أنا من كيفية التراكيب، وخطرات القلب، وحركات الأعضاء، وليس بالوجه؛ لأنه خلاف الظاهر، ثم بين ما قاله لهم فقال سبحانه حاكيًا عن عيسى: «مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ» وحده ولا تشركوا به شيئًا وأطيعوه؛ لأنه «رَبِّي وَرَبَّكُمْ» وخالقي وخالقكم «وَكُنتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا» قيل: شاهدًا، وقيل: مشاهدًا «مَا دُمْتُ فِيهِمْ»