قوله تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون 1 هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون 2}
  عن عطية عن ابن عباس، وقيل: الأجل الأول مدة الأعمار لا يجاوزها أحد، والأجل الثاني لا يعلمها أحد، وقيل: أجلاً؛ أي آجال مَنْ مضى منْ الخلق، وأجل مسمى: آجال الباقين، عن أبي مسلم، وقيل: أجلاً؛ أي وقتًا مكتوبًا، وأجل مسمى؛ أي: تسمية مكتوبة في موضع لا يملك الحكمَ فيه غيرهُ «ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ» أي مع هذه الدلائل تشُكُّون، قيل: في التوحيد، وقيل: في البعث، وهو خطاب للذين كفروا بربهم، وهو تعجيب حيث أنكروا البعث مع قدرته على خلق الإنسان، وتنقّله من حال إلى حال، فكيف تنكر قدرته على البعث؟
  · الأحكام: في الآية تنبيه على وجوب حمده وكيف يحمدونه، وعلى ماذا يحمدونه.
  وتدل على عظيم قدرته ونعمته بخلق السماوات والأرض وما بينهما، ففي السماء خلقه ثم رفعه ثم إمساكه، ثم ترتيبه، ثم إنزال الخيرات منه، فإسكان الملائكة إياه، وتسيير الكواكب والأفلاك، وأما في الأرض فخلقه ثم بَسْطُه ثم إمساكه، ثم ما أودع فيه من المنافع، ثم ما أخرج منه من النبات والثمار، ثم ما في الليل والنهار من تعاقب الظلمة والضياء، والزيادة والنقصان، والسكون وطلب المعاش. ثم ما يصح به من حساب الشهور والسنين، وما يتعلق به من منافع الدين والدنيا، ثم خلق ما بينهما من الحرث والنسل والحيوان، وضروب المخلوقات، فأنعم بجميع ذلك نعمة عامة على خلقه، وفيه عبرة لمن تأمل، وكذلك خلقه الناس من طين، وتنقله من حال إلى حال يدل على نعمته وقدرته وحكمته.
  وفيه تنبيه على بطلان أصناف الكفر؛ لأن قوله: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» يبطل قول من يقول بقدم العالم، وقول من يقول: إن التراكيب حصلت بالطبائع، وقول المنجمين: إنها من أثر الكواكب؛ لأنه تعالى نبه على بطلان جميع ذلك بما دل عليه فإنه لا يخلو من الحوادث، فيكون محدثًا، ولا بد من محدث، ومحدثه هو، فيبطل أقوال جميع الملحدين.