قوله تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون 1 هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون 2}
  وقوله: «وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ» تنبيه على فساد قول الثنوية، والقائلين بالنور والظلمة؛ لأنها أجسام بمنزلة غيرها، وعلى فساد قول المشَبِّهة؛ إذ لو كان تعالى نورا لكان محدثًا مصنوعًا، تعالى اللَّه عن ذلك، وبقوله: «خلقكم» نبه على بطلان ما يتهوس فيه الفلاسفة والطبائعيون والمنجمون في تصور الجنين على كثرة مقالاتهم فيه.
  ومتى قيل: كيف يخلق من الطين؟
  قلنا: بأن يحدث فيه أعراضًا فيصير مؤلفًا لحمًا ودمًا وعظمًا، ثم يجعل فيه الحواس، وينفخ فيه الروح فيصير بشرًا سويا، وأجزاء الطين فيه باقية بحالها كما هي، وإنما حصلت هناك زيادة وأعراض، وقوله: «مِنْ طِينٍ» توسع؛ أي جعل تلك الأجزاء إنسانًا، لا أنه حصل منه شيء آخر.
  وتدل على أن الجواهر متماثلة لانحلال بعضها إلى بعض مما تحله الأعراض.
  وتدل على كمال قدرته؛ إذ اخترع فيه الأجزاء من عدم إلى وجود، ثم قلبها من حال إلى حال.
  وتدل على أن لكل حي أجلاً، واختلفوا فقيل: الأجل واحد، وهو وقت موته، وقيل: أجلان: أحدهما مقدر، والآخر مسمى.
  واختلفوا في المقتول لو لم يقتل؟ فكان مشايخنا تقول: كان يجوز أن يعيش ويموت، فإذا قُتل علمنا أن المعلوم كان كذلك، فلا يجوز خلافه، وكانت البغدادية تقول: كان لا بد أن يعيش.
  وقال أبو الهذيل: كان لابد أن يموت.
  وإذا علمنا أن الأجل هو الوقت، والإنسان إنما يموت في وقت واحد علمنا أن الأجل واحد، وإذا علمنا أنه تعالى قادر على تبقية مَنْ قُتِل أو لم يقتل، أو على إماتته