قوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين 6}
  أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ» أمم عاصية، وقيل: جماعة من الناس، وجمعه: قرون «مَكَنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ» أعطيناهم من التمكن في الأرض بالمال والأتباع «مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ» ما لم نعطكم يا أهل مكة، وقيل: بسطنا وأعطيناهم الأجسام والأولاد كعاد وثمود، عن ابن عباس «وَأَرْسلنَا السَّمَاءَ عَلَيهِمْ مِدْرَارًا» قيل: السماء المطر، وقيل: معناه من السماء عليهم المطر «مِدْرَارًا» أي صبًّا كثيرًا «وَجَعَلْنَا الأَنهَارَ» يعني ماء الأنهار «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ» أي لم تغن عنهم شيئًا من ذلك لما طغوا، وأهلكهم اللَّه «وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ» خلقنا من بعد هلاكهم «قَرْنًا آخَرِينَ» أي جماعة آخرين.
  · الأحكام: تدل الآية على وجوب التدبر والتفكر؛ لأن قوله: «ألم يروا» حث على ذلك.
  وتدل على أن المعارف مكتسبة؛ لذلك أمر بالتدبر.
  وتدل على التحذير من الاغترار بالدنيا والاعتبار بمن كان من قبل فمن هو أكثر أموالاً وأطول أعمارًا، فلم يغن عنهم ذلك شيئًا، ولم ينتفعوا بما جمعوا، لما كفروا وضلوا، وتحذيرًا عن مثل حالهم.
  وتدل على أن الذنوب فِعْلُهم، وليست بخلق لله.
  ومتى قيل: كيف قال: «أَلَمْ يَرَوْا» ثم قال: «مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ»؟
  قلنا: ذلك للتوسيع في الكلام مع صحة المعنى، ومثل هذا التصرف ممدوح عند العرب كقوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} بعد قوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ} وقيل: لأنه دخل معهم غيرهم من جميع الحاضرين، فمرة يخاطب الحاضر، ومرة يخاطب الغائب.