قوله تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون 8 ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون 9 ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون 10 قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين 11}
  واللام في قوله: «ولقد استهزئ» لام القسم؛ لأنها تدخل على الماضي كما تدخل (قد).
  والفاء في قوله: «فحاق» قيل: عطف فعل ماضٍ على فعل ماض، وفيه معنى الجواب؛ لأن الثاني جزاء على الأول، وهذا يبين أنها قد تكون في العطف على معنى الجواب.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى اقتراحاتهم الفاسدة، والجواب عليها، فقال سبحانه: «وَقَالُوا» يعني كفار قريش «لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ» يعني هلا أنزل عليه ملك يشهد له ومعجزة له، وقيل: هلا أنزل عليه ملك فنراه عيانًا يقول: إنه رسول اللَّه. «وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ» أي فرغ من أمرهم، قيل: لأهلكوا بعذاب الاستئصال، عن الحسن وقتادة والسدي، وقيل: لقامت القيامة، عن مجاهد وعكرمة، وقيل: لو أتاهم ملك لماتوا، عن الضحاك «ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ» أي لا يُمْهَلون إذا نزل الملك، ولم يؤمنوا، فكان نزوله لا ينفعهم، ويضرهم إهلاكهم، فلم يك لهم فيه مصلحة.
  ومتى قيل: لِمَ لَمْ ينظروا عند نزول الملك؟
  قلنا: إجراء على سنة من قبلهم ممن طلب الآيات فلم يؤمن، فأهلكوا بعذاب الاستئصال كعاد وثمود زجرًا عن التحكم على اللَّه في الآيات، وقيل: لأن في إمهالهم تسهيل الكفر؛ لأنه إذا أتاهم بالآيات الباهرة والمطلوبة فلم يؤمنوا ولم يضرهم كانت تسهيلاً للكفر، وقيل: لأنه يوجب كون المعلوم والإيمان ضرورة، فلا يصح معه التكليف، وقيل: لأنهم لا يخلو إما أن يريدوا نزول الملك على صورته، فيؤدي إلى بطلان التكليف حيث يصير الإيمان ضرورة أو على صورة بشر، فيبقى اللبس، وذلك لا يجوز على اللَّه تعالى. «وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً» أي لو جعلنا الرسول ملكًا لجعلناه رجلاً في صورة البشر، قيل: لأن الحكمة تقتضي ذلك؛ حيث إن الإنسان بالإنسان آنس، وإلى إجابته أقرب، وقيل: لأنه لا يمكنهم أن يروا الملك في صورته، عن ابن عباس، وقيل: إن الملائكة كالرجال في أنهم ذكران، وسواء مجيء الرجل من