التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون 12 وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم 13}

صفحة 2170 - الجزء 3

  قِبَلِ أنفسهم أُتُوا، وقيل: كتب لمن آمن بمحمد ÷ ألا يعذبه بعذاب الاستئصال وإن عصى، ولو كان يمهلهم إلى يوم القيامة، وقيل: كتب الرحمة بألَّا يستأصل عباده، ولا يعجل بالعقوبة حتى يبلغوا القيامة، عن الأصم. «لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قيل: (إلى) صلة، والمعنى: ليجمعنكم يوم القيامة، وقيل: «إلى» بمعنى (في)؛ أي يجمعنكم في يوم القيامة، وقيل: فيه حذف: أي إلى المحشر يوم القيامة؛ لأن الجمع يكون إلى مكان، وقيل: ليجمعنكم في الدنيا قرنًا بعد قرن إلى يوم القيامة.

  ومتى قيل: إذا لم يصدقوا أنه كلام اللَّه، فكيف حذرهم بالبعث؟

  قلنا: ذكر عقيب الدلالة، وقيل: هو الدوام، وقيل: هو خطاب للمؤمنين. «لاَ رَيبَ فِيهِ» أي لا شك يعني في البعث.

  ومتى قيل: أليس يرتاب فيه الكافر؟

  قلنا: الحق حق وإن ارتاب فيه المبطل، وقيل: الدلائل أزالت الشك، ولأن نعم الدنيا تعم المحسن والمسيء فلابد من دار تميز، ولأن التكليف يتضمن الثواب فإذا لم يكن في الدنيا فلا بد من دار، ولأن التمكين من الظلم من غير انتصاف في العاجل وإنزال الأمراض من غير استحقاق ولا إيفاء عوض في العاجل يوجب لمن يدبر دارًا فيها تُوَفَّى الأعواض، وينتصف للمظلوم من الظالم.

  «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ» أي أهلكوها بارتكاب الكفر والفسق «فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ» لا يصدقون بالحق، ولما ذكر ملك السماوات والأرض لأن الأول يجمع المكان، والثاني الزمان، وهما طرفان لكل موجود، فكأنه أراد الأجسام والأعراض، «وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيلِ» للاستراحة وتحرك في النهار للمعيشة، وقيل: وله ما استقر، عن الأصم، وقيل: ما وسع الليل والنهار، حكاه عن الأصم.

  ومتى قيل: لم ذكر الساكن دون المتحرك؟

  قلنا: فيه وجوه: قيل: لأنه أعم وأكثر، ولأن عاقبة التحرك إلى السكون، وقيل: