قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين 25}
  · المعنى: ثم وصف تعالى حالهم عند الاستماع إلى النبي ÷ ومجادلتهم معه ذمًّا لهم وتوبيخًا، فقال سبحانه: «وَمِنْهُمْ» أي من الكفار الَّذِينَ تقدم ذكرهم من المشركين وأهل الكتاب «مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيكَ» يعني: يستمعون إلى كلامك، قيل: استمعوا ليطعنوا فيه، وقيل: كانوا يرصدون قراءته ليقفوا على مكانه فيؤذوه «وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً» أي غطاء «أَنْ يَفْقَهُوهُ» أي يعلموه، قيل: كانوا إذا استمعوا أرادوا أن يؤذوه فألقى اللَّه تعالى عليهم النعاس ليصدهم عن أذاه، عن أبي علي، وقيل: جعلها كذلك، وقيل: جعلها كذلك بأن وسمها بسمة وعلامة تَسْتَدِلُّ بها الملائكة أنهم منهم، وقيل: جعلنا بالذم لهم عقوبة على معصيتهم لا يمنعهم منه، وقيل: الإلف والعادة صار وقرًا على آذانهم، وقيل: كُفْرهُم عند الاستماع مَنَعَهُم، فكان كالوقر، فشبه الكفر بالكَنِّ، وقيل: كفرهم وعادتهم في المعاصي منعهم من الألطاف التي يفعل اللَّه بالمؤمنين، حتى صار ذلك كالكن على قلوبهم، والوقر في آذانهم، والصحيح ما قاله أبو علي؛ لأنه حمل الكلام على ظاهره.
  ومتى قيل: أيجوز أن يمنعهم عن الاستماع؟
  قلنا: إذا علم استماعهم مفسدة جاز أن يمنعهم عنه، وقد حكى اللَّه تعالى عنهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}.
  ومتى قيل: كيف أضاف إلى نفسه؟
  فجوابنا على ما تأولنا هو الفاعل لها، وعلى ما تأوله المفسرون لأنه أظهر عند أمره ونهيه، وقيل: لأنه نسبهم إليه، وحكم به فيهم فلذلك أضافه إلى نفسه، ولا يقال: إنه فعل ذلك بهم ليمنعهم من الإيمان؛ لاستحالة أن يأمر بالإيمان، وينهى عن تركه، ويعد ويوعد ويعظ، ثم يمنع ثم يعاقب، هذا خلاف الحكمة، ولأن القوم كانوا يسمعون ويفقهون فلا يصح حمله على ظاهره، ولأن الْمُجْبِرَة لا تُجوز تكليف من لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر، فلا تعلق لهم بالظاهر، فأما على قول أبي علي فإنما منعهم في بعض الأوقات لما علم فيه من المفسدة.