التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين 25}

صفحة 2194 - الجزء 3

  «وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا» أي ثقلاً «وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ» كل حجة «لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا» لا يصدقوا بأنها حجة «حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ» أي يخاصمونك، قيل: مجادلتهم قولهم: «إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ»، عن الحسن، وقيل: قالوا: تأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل ربكم، فهو جدالهم عن ابن عباس «يَقُولُ الَّذِينَ كفَرُوا إِنْ هَذَا» يعني القرآن «إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» أحاديث الأولين، عن ابن عباس، التي كانوا يسطرونها أي يكتبونها، وقيل: أباطيل الأولين، وقيل: كَذِبُ الأولين. حكاه الأصم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن استماع للقرآن وكلام النبي ÷ قد يكون مفسدة في بعض الأوقات، كما يكون مصلحة في بعضها؛ فلذلك منعوا من استماعه، وذلك المنع كان لطفًا لهم؛ لأنهم كانوا لا يؤذون النبي ÷، ولا يستهزئون بالقرآن.

  ومتى قيل: كيف يكون الحجة مفسدة؟

  قلنا: إذا قامت الحجة فبعد ذلك قد يكون مفسدة، وقد يكون مزاح العلة، وذلك بأن يعلم أنه يفسد في بعض الأحوال عند سماعه عند ذلك يمنعون، ولهذا لم يأت اللَّه تعالى بما اقترحوا من الآيات؛ لأنه بالمعجزات التي ظهرت زات العلة، وقامت الحجة، فبعد ذلك إنما يجب الإظهار إذا كانت مصلحة، فإذا علم كونه مفسدة لا تظهر، ولهذا منع الحائض والجنب عن قراءة القرآن، ومس المصحف ودخول المسجد، وإن كانت هذه العبادات لطفًا وحجة في بعض الأوقات، ولكن هَؤُلَاءِ قد أزيح علتهم، وعلم أن لهم فيهم فسدة، فَمُنِعُوا.

  ومتى قيل: كيف يكون المنع من اللَّه تعالى؟

  فجوابنا بأحد وجهين: أحدهما مع زوال التكليف، والآخر مع بيانه.

  فالأول: أن يلقى عليه النوم كما يحكى في هذا الباب، أو يغمى عليه، ونحو ذلك.

  والثاني: أن يشغلهم بما يصرفهم عن تتبع أحوالهم له، فيدعوه الداعي إلى غيره، عن أبي علي.