التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون 26}

صفحة 2196 - الجزء 3

  قال مقاتل: كان النبي ÷ عند أبي طالب يدعوه إلى الإسلام فاجتمعت قريش إلى أبي طالب يريدون سوءًا بالنبي ÷ ويسألون أبا طالب محالفته لهم ولآبائهم وتسليمه إليهم فأبى، وأنشأ يقول:

  وَاللَهِ لَن يَصِلوا إِلَيكَ بِجَمعِهِم ... حَتّى أُوَسَّدَ في التُرابِ دَفينا

  فَاِصدَع بِأَمرِكَ ما عَلَيكَ غَضاضَةٌ ... وَاِبشِر بِذاكَ وَقَرَّ مِنهُ عُيونا

  وَدَعَوتَني وَزَعَمتَ أَنَّكَ ناصِحٌ ... وَلَقَد صَدَقتَ وَكُنتَ ثَمَّ أَمينا

  وَعَرَضتَ ديناً قَد عَلِمتُ بِأَنَّهُ ... مِن خَيرِ أَديانِ البَرِيَّةِ دينا

  لولا الغضاضةُ أو تكون مسبةُ ... لوجدتَنِي سمحًا بذاك مُبِينا

  فنزلت فيه هذه الآية.

  وهذا لا يصح لوجوه: منها: أنه عدول عن الظاهر، وما يقتضيه الكلام الأول؛ لأن نسق الكلام في ذمهم، وتهجينهم، ولأن قوله: «هم» يرجع إلى من تقدم، ولأن أبا طالب كان يقرب منه ويخالطه وينصره ويقوم بنصرته والذب عنه ما هو المشهور، ولم ينأ عنه قط.

  فإن قالوا: عن دينه؟

  قلنا: فقد تركت الظاهر؛ لأن ظاهر الكلام أن الوصفين ذم وتهجين، وعلى ما يقولونه أحدهما مدحٌ، والثاني ذم، ولأن الروايات مختلفة منهم من يروي أنه لم