التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين 27 بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون 28}

صفحة 2200 - الجزء 3

  قلنا: (إذ) لما مضى، و (إذا) لما يستقبل، ثم جاز وضع ذلك موضعه لتحقيق الأمر، كأنه وقع كما قال أبو النجم:

  ثُمَّ جَزَاهُ اللَّه عَنَّا إِذْ جَزَى

  ويقال: لِمَ جاز جواب التمني بالفاء، ولا يجوز بـ (ثُمَّ)؟

  قلنا: بعض البصريين يجوز بالواو لأنه يقرب من الفاء ولا يجوز بـ «ثم» لأنه للتراخي، والجواب إنما يجب الثاني فيه عقيب الأول بلا فصل، وبعض البصريين لا يُجَوِّز بالواو أيضًا، وكذلك بعض الكوفيين، ويجوز بالفاء بالاتفاق، تقول: ليت لي مالاً فأعطيك، ولا يقال: ليت لي مالاً ثم أعطيك، بل أضرب عن الأول إلى الثاني.

  · النظم: قيل: الآية تتصل بقوله: «ويوم نحشرهم»، عن الأصم.

  وقيل: بما قبله من الوعيد لهم، عن أبي مسلم.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ عظم ما ينالهم في القيامة، وتمنيهم إلى الرجوع حسرةً على ما تقدم منهم، فقال سبحانه: «وَلَوْ تَرَى» يا محمد، وقيل: ولو ترى أيها السامع أو الإنسان «إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ» قيل: عاينوها، ومن عاين الشيء فقد وقف عليه، وقيل: وقوفهم عليها؛ لأنها مِنْ تحتهم وهم مِنْ فوقها، وقيل: عرفوا مالهم من العذاب بالدخول فيها، كما يقال، وقفت على ما عند فلان؛ أي: عرفته، ذكر الأوجه الثلاثة الزجاج، وقيل: «عَلَى» بمعنى (في)، بعني وقفوا فيها، وقيل: بمعنى (على)؛ أي وقفوا على شفيرها، وهو وقوف جبر لا وقوف اختيار، وقيل: حبسوا فيها «فَقَالُوا» يعني الكفار حين عاينوا العذاب، ندموا على ما كانوا فعلوا وقالوا: «يَالَيْتَنَا نُرَدُّ» إلى الدنيا «وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا» بحججه «وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» من المصدقين بالنبي ÷ ودينه، وقيل: يتمنون الرجوع ليسلموا من العذاب، وقيل: تمنوا أن لم يكونوا كذَّبوا «بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ» قيل: لم يتمنوا الإيمان على رغبة في ذلك، ولكن ظهر