التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين 27 بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون 28}

صفحة 2201 - الجزء 3

  لهم الخفي من الثواب والعقاب، فأورثهم التمني، وقيل: لم يتمنوا عن صحة عزيمة لكن لما ظهر من وبال ضلالتهم، ومعنى قوله: «بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ» أي ظهر لهم ما كانوا يخفون، وقيل: ظهر على رؤوس الأشهاد ما كانوا يخفون من الكفر في الدنيا، وهم المنافقون، عن أبي علي، وقيل: ظهر ما كان علماؤهم يخفون من حالهم، عن الأصم، وقيل: ظهر لبعضهم من بعض ما كانوا يخفون، عن الحسن، وقيل: ظهر من ثواب اللَّه وعقابه ما كانوا يخفون عن بعضهم، فظهر ذلك اليوم، حكاه الأصم، وقيل: ظهر ما وجدوه خافيًا، عن أبي مسلم، وقيل: أظهر من عيوب أسرارهم ما كان يخفيه عليهم وقد علمه، وقيل: ظهر ما كانوا يخفون من أعمالهم جهلاً بها، وقيل: بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون ووباله، عن المبرد، وقيل: بدا في الآخرة عنهم بأن نطقت جوارحهم، عن النضر بن شميل، وقيل: بدا لهم من أفعالهم بشهادة جوارحهم ما أخفوه في الآخرة بأن قالوا: «ما كنا مشركين»، عن أبي علي، وهذا لا يصح؛ لأنا قد بينا معناه، وأن أهل الآخرة لا يجوز عليهم الكذب، والمراد بالآية أنه [ظهرت فضيحتهم]، وتهتكت أستارهم، وبدا لهم سوء أعمالهم التي كانوا يخفونها في الدنيا، «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ» أي لو ردوا إلى الدنيا من غير إلجاء لكان كالرد من النوم إلى اليقظة، فأما بعد المعاينة والعلم الضروري فلا يجوز الرد إلى حال التكليف للإلجاء الحاصل «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ» من الكفر «وَإنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ» قيل: التمني لا يقع فيه الكذب، وإنما يقع في الخبر فالمعنى فيه أحد وجهين:

  أحدهما: إنهم لكاذبون لو أخبروا عن أنفسهم بالرجوع والإيمان.

  والثاني: إنهم لكاذبون فيما أخبروا به في الدنيا من تكذيب النبي ÷ والقرآن؛ لأن أهل الآخرة لا يمكنون من الكذب، عن أبي علي، وهو اختيار القاضي.

  وقيل: إنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم فكذبوا؛ لما ينالهم من الدهش، عن أبي بكر محمد بن علي وعلي بن عيسى، وقد بَيَّنَّا أنه غير صحيح، وفي أي شيء وقع