التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين 35 إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون 36 وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون 37}

صفحة 2219 - الجزء 3

  لطف يجمعهم على الإيمان، «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ» أراد «لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى» بالإلجاء، وذلك يكون بوجوه:

  منها: شدة الخوف كما آمن فرعون.

  ومنها: أن يعلم أنه لو رام الكفر حيل بينه وبين ذلك.

  ومنها: أن يقوي دواعي الإيمان، ولا يقابله داع إلى الكفر، وإنما لم يفعل الإلجاء لأنه يبطل التكليف، وغلط بعضهم فزعم أنه منعهم اللطف، وهذا لا يجوز؛ لأن منع اللطف في القبح بمنزلة منع التمكين، وقد قال تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ}.

  «فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ» قيل: لا تجزع في مواطن الصبر، فتقارب حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم، عن أبي علي، وقيل: لا تفعل فعلهم، ولا تطمع في هَؤُلَاءِ الكافرين أن يجمعوا على الإيمان، عن أبي مسلم، وقيل: لا يحملنك الاغتمام بإعراضهم على أن تعصي اللَّه، وتدع ما عليك من الإبلاغ، عن الأصم، وقيل: هذا نفي للجهل عنه، أي لا تكن جاهلاً بعدما أتاك العلم بأحوالهم أي علمت أحوالهم أنهم لا يؤمنون، فعلى ذلك فاعمل معهم، ثم بين الوجه الذي لأجله لا يجتمعون على الإيمان فقال سبحانه: «إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ» أي يجيب، وقد يكون ذلك بالقبول، وقد يكون بالعمل به «الَّذِينَ يَسْمَعُونَ» يعني يجيب مَنْ سَمِعَ الحق سماع مسترشد طلبًا للحق، فأما من لا يسمع، أو سمع منكرًا أو معاندًا، فإنه لا يؤمن، وقيل: لا يجيب من لا يسمع، وإنما المستجيب في الَّذِينَ يسمعون «وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ».

  يقال: كيف اتصال هذا بما قبله؟

  قيل: يتصل بما قبله تقديره: إنما يستجيب المؤمن السامع الحق، وأما الكافر فهو بمنزلة الموتى فلا يجيبون إلا أن يبعثهم اللَّه يوم القيامة فيلجئهم إلى الإيمان، وقيل:

  إنما يستجيب من كان قلبه حيًّا، فأما إذا كان قلبه ميتًا فلا.