قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون 38 والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم 39}
  وما قضى من الآجال، ثم ذكر الحِجَاج مع الكفار في تلك الجملة، ثم ذكر أصناف الخلق ههنا من الدواب والسباع والطيور، وأعلم أنها مثلهم في خلقه إياها، وتبقيتها إلى أجل، ثم يحشرون كما يحشر الإنسان، عن أبي مسلم.
  · المعنى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ» يعني قل لهم: ما من حيوان يمشي على وجه الأرض من الدواب والسباع، وإنما خص دواب الأرض؛ لأن الحجاج يقتضيه من وجهين: أحدهما: الإحالة في الدليل على ما هو أظهر، والآخر: على ما حاجته أشد؛ ولذلك لم يذكر تدبير الجماد «وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ».
  ومتى قيل: لِمَ قال: «بجناحيه» والطائر لا يطير إلا بجناحيه؟
  قلنا: قيل: إنه تأكيد على ما تقدم، وقيل: لأن العرب تذكر الطائر، وتريد غيره، ويقولون: ما بالدار طائر، يعني أحدًا، ويقولون: لو استطعت لطرت إليك، قال شاعرهم:
  طاروا إليه زرافات ووحدانا
  وقال آخر:
  عوى الذئب فاستأنستُ بالذئب إذ عَوَى ... وصَوَّت إنسان فكدتُ أطيرُ
  فذكر الجناح ليعلم أنه أراد الطير المعروف، وأزال الإبهام، وقيل: لأن الملائكة تطير بأكثر من جناحين، فبين أن الطائر يطير بجناحين، وقيل: لأن من الطير ما يَثِبُ «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ» أشباهكم في إبداع اللَّه تعالى إياها وخلقه لها، ودلالتها على أنها