التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون 38 والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم 39}

صفحة 2225 - الجزء 3

  بمنزلة الصم البكم حيث لم يسمعوا الحق، ولم يتكلموا به، فهم بمنزلة الصم عن منافع الدين، البكم، ولم يذكر كاف التشبيه للمبالغة، كقولهم: فلان حمار، وفلان أسد، يريدون كأسد وحمار، قال الشاعر:

  بَدَتْ قمرًا ومَالَتْ خُوْطَ بَانٍ ... وفَاحَتْ عَنْبَرًا وَرَنَتْ غزالا

  وقيل: يحشرون صمًا بكمًا في الآخرة فتكون الصفة على الحقيقة «فِي الظُّلُمَاتِ» في القيامة والنار، وقيل: في الظلمات في ظلمة النار والعذاب والقيامة، فيحمل الكلام على حقيقته، عن أبي علي، وقيل: [يترددون في] ظلمات الجهل والكفر، فيكون توسعًا «مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ» قيل: يحكم بأنه ضال ذمًا له، وكذا يحشره، «وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم» يحكم أنه مُهْتَدٍ مدحًا له، وقيل: يضله في الآخرة عن طريق الجنة إلى طريق النار بما استحقه من العقاب «وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ» في الآخرة «عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» إلى الجنة بما استحقه من الثواب، وقيل: يضله عن زيادة الهدى، وهي الألطاف التي يفعلها للمهتدي ليثبت على الهداية، ومن يشأ يجعله بألطافه، وهو من المعلوم أن له لطفًا، فيثبت على طريق مستقيم، وقيل: يضلله يعذبه، ويهلكه عن أبي مسلم، ولا يجوز أن يحمل على الضلال عن الإيمان؛ لأنه يقبح، ولأنه تعالى لا يجوز أن يأمر بشيء ثم يضل عنه، ولأنه ذَمَّ مَنْ أضل عن الدين فلا يضله هو.

  · الأحكام: تدل الآية على أحكام:

  منها: أن الحيوانات أمم كالإنس.

  ومنها: أنه يحشر غير المكلفين كما يحشر المكلف.

  ومنها: أن الكتاب ورد بجميع ما يحتاج إليه المكلف.