التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون 38 والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم 39}

صفحة 2226 - الجزء 3

  ومنها: وعيد المكذب وكيفية حشره، وكل واحد من هذه الفضول يشتمل على مسائل مفيدة لا بد من الإشارة إليها.

  أما الفصل الأول: فقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، والصحيح أن المراد بها أجناس مدبرة مخلوقة دالة على صانع قديم، والتشبيه لا يقتضي أن يكون جميع ما في المشبه به يحصل في المشبه؛ لهذا قلنا: لا يقتضي أن يكون عارفًا أو مكلفًا، يدل عليه أنه يتعذر عليها معرفة الأمور الجلية والاستدلال، فكيف يحصل لها المعرفة بالغوامض، ولأن من شرط التكليف كمال العقل، ولم يحصل فيها، ولأن الإجماع حصل على أنه لا تكليف عليها.

  ومتى قيل: فأي فائدة في خلقها؟

  فجوابنا: إذا علمنا أنه تعالى حكيم لا يفعل الفعل إلا لغرض صحيح، وعلمنا أن المنافع والمضار لا تجوز عليه فلا بد أن يكون خلقها لنفع الغير، ولما كانت غير مكلفة لم يصح أن تكون مقصودة، فعلمنا أنه خلقها لمنافع المكلفين إما دينًا أو دنيا، ثم لا يجب علينا معرفة تفاصيله، وبعد، فلا شيء إلا وفيه نفع عاجل، أو اعتبار آجل.

  ومتى قيل: فإن كان فيها مصلحة ونفع فَلِمَ أَمَرَ بقتل بعضها، وذبح بعضها؟

  قلنا: خلقها لنفع، وأمر بقتلها لنفع آخر خصوصًا في المؤذيات، ففيه تحذير من العذاب، وفي قتله تنبيه على التحرز من المعصية.

  ومتى قيل: فأي عبرة أن جعلها أممًا؟

  قلنا: لأنه صور كل جنس على صورة عجيبة، ثم جعل بعضها يمشي، وبعضها يطير، ثم دبر أرزاقها وآجالها على ما تقتضيه الحكمة، من غير أن كان لها ضرع أو زرع أو اكتساب أو سبب للرزق.

  وأما الفصل الثاني: فالآية تدل على أنها تحشر كما يحشر مَنْ يعقل.

  ومتى قيل: فلماذا تحشر؟