التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون 47 وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون 48 والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون 49}

صفحة 2238 - الجزء 3

  قلنا: لأن السمع مصدر، والأبصار جمع «بصر».

  ويقال: لِمَ قال: «من آمن»، ثم قال: «فلا خوف عليهم»؟

  قلنا: لأن (من) اسم مبهم قد يكون في معنى الجماعة.

  ويقال: ما معنى (ما) في قوله: «بِمَا كَانُوا يَفسُقُونَ»؟

  قلنا: بمعنى المصدر كأنه قيل: بفسقهم، عن أبي مسلم.

  · المعنى: ثم زاد تعالى في الاحتجاج، فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد لهَؤُلَاءِ الكفار «أَرَأَيْتُمْ» قيل: أعلمتم «إِنْ أَخَذَ اللَّه سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكم» أي ذهب بها فصرتم عميًا صمًا «وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ» أي طبع عليها وسلب عنها التمييز والعقل حتى لا تفهموا شيئًا، وقيل: أراد الأمانة، ذكر الوجهين أبو مسلم، وإنما خص هذه الأشياء بالذكر لأن بها تتم النعم دينًا ودنيا؛ لأنه بالعين يُنْظَر في الأدلة، وبالسمع تُسْمَعُ الدعوة، وبالقلب يتفكر، فيعلم الحق، وبهذه الحواس يستمتع بنعم الدنيا «مَنْ إِلَهٌ غَيرُ اللَّه يَأْتِيكُمْ بِهِ» أي بما تقدم ذكره من الحواس، وقد بينا ما قيل فيه «انظُرْ» يا محمد «كَيفَ نُصَرّفُ الآيَاتِ» نبينها من جهات، مرة من جهة النعمة، ومرة من جهة الشدة، وقيل: تصريف الآيات إحداثها دالة على المعجزة، وتدل على فاعلها، وقدرته وعلمه ونبوة النبي ÷ وصدقه، «ثُمَّ هُمْ» يعني الكفار «يَصْدِفُونَ» يعرضون، عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي، وهو تعجيب منه تعالى لنبيه كأنه قال: انظر إلى رحمتي في تصريف الآيات وإعراضهم عنها وكفرهم، وإنما كرر «انظر» لأنه عَجَّبَ أولاً في تتابع نعمه عليهم وإظهار دلائله من تصريف الآيات وضروب الأعمار، وعجب ثانيًا من إعراضهم عنها، وكلاهما عجيب.

  ومتى قيل: كيف خاطب بهذا من لا يعرفه؟