التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين 59}

صفحة 2259 - الجزء 3

  ويخبر به، وبالضاد معجمة من القضاء أي يفصل الحق من الباطل، وقيل: يفصل بين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب، وقيل: يعلم الحق، عن الأصم. «وَهُوَ خَيرُ الْفَاصِلِينَ»؛ لأنه لا يظلم في قضاياه، ولا يجور ولا يميل عن الحق «قُلْ» يا محمد «لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجلُونَ بهِ» من العذاب، وفيه ضمير أي لأنزلته «لَقُضِيَ الأمرُ بَينِي وَبَينَكُمْ» لفرغ من الأمر بأن أهلككم وأستريح منكم، غير أن الأمر فيه إلى اللَّه تعالى وهو أعلم بالظالمين، ووقت عذابهم وما يصلحهم، فيفعل بحسب المصلحة، وقيل: يفصل الأمر بيني وبينكم من مطالبتي إياكم بعبادة اللَّه، ومطالبتكم إياي بالعذاب، فلو أتيتكم به لم يبق بيننا مطالبة.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى يؤخر العقوبة لضرب من المصلحة، إما لكي يؤمنوا أو غير ذلك من المصالح.

  وتدل على أنه ÷ يتبع الدليل، ويَدَعُ الهوى والإلف.

  وتدل على أنه ÷ كان يدعي العبودية، ويتبرأ عن ادعاء الربوبية، وأنه ليس عليه إلا البلاغ تنبيهًا لأمته كي لا يقولوا فيه ما قالته النصارى في المسيح.

  وتدل على أن قضاءه تعالى حق.

  وتدل على أن الكفر والمعاصي ليس بقضائه ولا خلقه؛ فيفسد قولي الْمُجْبِرَة في المخلوق والإرادة والقضاء.

  وتدل على أن التكذيب والاستعجال والظلم فِعْلُهم، فيبطل قولهم في المخلوق.

  وتدل على أن قولنا: ظالم اسم ذم في الشرع على ما نقوله.

قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٥٩}