التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 57}

صفحة 396 - الجزء 1

  · النظم: يقال: كيف تتصل الآية بما قبلها؟

  قلنا: لما تقدم ذكر النعم ذَكَّرَهُمْ في هذه الآية نِعَمَهُ عليهم بالغمام الذي وقاهم الحر، وما أنزل من المن والسلوى في التيه، وذلك من أعظم النعم، وقيل: ذكرهم أنهم مع عصيانهم لم يخلهم من نعمه، كما فعل بهم في التيه.

  ويقال: كيف يتصل قوله: «وَمَا ظَلَمُونَا» بقوله: «كلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ»؟

  قلنا: على تقدير أنهم خالفوا ما أمروا وما ظلمونا، ولكن أنفسهم ظلموا، وقيل: تقديره: فكفروا بهذه النعم، وما ظلمونا بل ظلموا أنفسهم، وقيل: قلنا لهم كلوا ولا تدخروا، فعصوا وادخروا وما ظلمونا.

  · المعنى: «وَظَلَّلْنَا عَلَيكُمُ الْغَمَامَ» أي جعلنا لكم الغمام ظلة وسترة، تقيكم حر الشمس في التيه، عن أبي علي وجماعة من المفسرين، وقيل: لما خرجوا من مصر إلى بيت المقدس، عن الأصم، وروي أنهم لما حصلوا في التيه شكوا إلى موسى حر الشمس، فأنزل اللَّه عليهم غمامًا أبيض رقيقًا، ليس بغمام المطر، أبلق وأبيض وأبرد، فأظلهم، فقالوا: هذا الظل قد حصل، فأين الطعام؟ فأنزل اللَّه عليهم المن والسلوى «وَأَنزَلْنَا عَلَيكُمُ الْمَنَّ» قيل: شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار، وطعمه كالشهد عن مجاهد، وقيل: هو الطرنجبين عن الضحاك، وقيل: الخبز الرقاق، عن وهب، وقيل: عسل يقع على الأشجار من الليل، عن السدي، وقيل: شيء مثل الرُّبُّ الغليظ، عن عكرمة، وقيل: هو ما منَّ اللَّه عليهم به حالاً بعد حال، مما لا تعب فيه، ولا نصب، عن الزجاج، وقيل: هو الزنجبيل، وقيل: كان مثل الثلج، عن قتادة.