التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون 60}

صفحة 2266 - الجزء 3

  من المعصية، وقيل: فيه إشارة إلى رحمته حيث يعلم مخالفتهم إياه ثم لا يعاجلهم بعقوبة، ولا يمنعهم فضله ورحمته، «ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ» أي يبعثكم من النوم في النهار بأن يوقظكم، عن أبي علي، وقيل: «فيه» في جميع أوقات الحياة «لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى» أي يفعل ذلك ليستوفي المدة المضروبة المسماة من الحياة، وتبلغ النفس أجلها المسمى، وتستوفي رزقها وأجلها «ثُمَّ إِلَيهِ مَرْجِعُكُمْ» يعني إذا تمت المدة المضروبة لكل نفس نقله إلى الدار الآخرة، ومعنى «إليه» إلى اللَّه أي إلى حكمه وجزائه، وإلى موضع ليس لأحد سواه فيه أَمْرٌ ولا ينفذ لغيره حُكْمٌ، «مَرْجِعُكُمْ» مصيركم «ثُمَّ يُنَبُئُكمْ» قيل: يخبركم بما غفلتم عنه من أعمالكم، وقيل: يجازيكم، وقيل: يذكركم أعمالكم لتعلموا أنه لا يظلم أحدًا في عقابه «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي بأعمالكم.

  · الأحكام: تدل الآية على البعث؛ لأنه نبه بالنوم واليقظة على البعث؛ لأن كل واحد منهما لا يقدر عليه غيره تعالى.

  ومتى قيل: كم شرطًا يشترط في الشيء حتى تصح عليه الإعادة؟

  فجوابنا اختلفوا فيه، والصحيح أن يكون من فعل القادر لذاته، وأن يكون مما يبقى، وألا يكون متولدًا عن سبب، هذا هو الصحيح من مذهب أبي هاشم والقاضي.

  وتدل على أنه يجازيهم بأعمالهم، ولا يظلم أحدًا، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ، وأي ظُلْمٍ أعظم من أن يعذب بغير ذنب؟، أو يخلق الكفر فيه ثم يعذبه؟، وفيه تحذير للعبد عن المعصية.

  وتدل على أن الدنيا طريق الآخرة، وأن الأيام والليالي كالمراحل؛ تنبيهًا للمرء على التزود لها، وألا يضيع عمره في الدنيا.