قوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون 61 ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين 62}
  · المعنى: ثم عطف على ما تقدم بيان كمال قدرته، وتدبيره في خلقه، فقال سبحانه: «وَهُوَ الْقَاهِرُ» أي القادر الغالب، وقيل: المالك العالي عليهم بالسلطان، وأصله يرجع إلى أنه قادر على تصريفهم كيف شاء؛ لأنه قادر لذاته لا يمتنع عليه شيء «فَوْقَ عبادهِ» يعني فوقهم بالعلو والقدرة والسلطان، ولم يرد فوقهم في المكان؛ لأن المكان لا يجوز عليه تعالى؛ لأنه ليس بجسم ولا جوهر، ولأن الآية تمدح، فليس في كونه فوق الخلق بالمكان تمدح، فهذا كما يقال: فلان فوق كل أحد، ولا يريدون المكان، والمراد القدرة والسلطان، ومعناه في صفته أنه لا يساويه في كونه قادرًا أحد، فلا يمتنع عليه مقدور «وَيُرْسِلُ عَلَيكُمْ حَفَظَةً» قيل: ملائكة يكتبون أعمال بني آدم ويحفظونها، وهو تكليف للملائكة؛ لذلك وصفهم بأنهم لا يفرطون، ولطف لنا لكيلا نعصي، وذَكَرَ بالجَمْعِ؛ لأن من يكتب الخير غير من يكتب الشر، وقيل: ملائكة الليل غير ملائكة النهار، ثم اختلفوا فيما يكتبون، قيل: يكتبون ما له تعلق بالجزاء كالخير والشر، وقيل: يكتبون الكل ثم يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت، وقيل: الحفظة الملائكة التي تحفظ بني آدم، كقوله: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» أي وقت الموت، وهو الوقت المضروب للأحياء «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا» أي تقبض أرواحهم رسلنا، قيل: هم الملائكة أعوان ملك الموت عن ابن عباس والحسن وقتادة والربيع وإبراهيم. ويقبضون بأمره؛ لذلك أضافه إليه في قوله: {قُل يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ الْمَوتِ} وقيل: قابض الأرواح هم الحفظة، وقيل: الحفظة غير قابضي الأرواح.
  ومتى قيل: كيف يعلم ملك الموت وأعوانه وقت موت بني آدم؟
  قلنا: بإعلام اللَّه إياهم، ثم يجوز أن يعلموا ببيان متقدم، ويجوز أن يعلموا ببيان مجدد، وروي أنه يدفع إليه نسخة لكل سنة.
  قال مجاهد: جعلت الْأَرْضُ لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء، وما من أهل بيت إلا وملك الموت يطوف بهم كل يوم مرتين «وَهُمْ لاَ يُفَرطونَ» قيل: