قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين 68 وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون 69}
  ومتى قيل: لماذا نهى عن مجالستهم ودعوتهم بسبب معصيتهم؟
  قلنا: لما أمر بالاحتجاج والرد عليهم فقال: إذا رأيتهم لا ينجع دعاؤك ومحاجتك فيهم، وسلكوا طريقة الاستهزاء فدعهم من الدعاء لما علم أنه لا ينفع، عن الأصم، وقيل: إنما نهى؛ لأنه علم أنه لا فائدة في ذلك؛ إذْ لا يسمعون ولا يتفكرون، وقيل: أمر بذلك مُنْكِرًا عليهم يُعْرِض إعراض إنكار واستخفاف، وقيل: أباح مجالستهم ما دام يطمع فيهم، فإذا يئس منهم ألزمه الإعراض على كل وجه؛ لأن التقية لا تجوز عليه، والدعاء لا ينجع «حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» قيل: يدخلوا في حديث غير القرآن والاستهزاء به، وقيل: حتى يخوضوا في حديث يحل «وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ» نَهيَنَا إياك عن الجلوس معهم، ومعنى ينسينك: يوسوس إليك بما يشغلك عن النهي حتى تنسى.
  ومتى قيل: النسيان فِعْلُ اللَّه تعالى، فكيف أضافه إلى الشيطان؟
  قلنا: أما الإضافة فلأنه تعالى أجرى العادة بفعل النسيان عند الإعراض عن الفكر، وتراكم الخواطر الردية، والوساوس الفاسدة من الشيطان، فإذا كان هذا يحصل عنده جاز إضافته إليه كما أن من ألقى غيره في البرد أو الحر حتى يموت فإنه يضاف إليه؛ لأنه عَرَّضَهُ لذلك، فكان كالسبب فيه، وأما النسيان فهو معنى يحدثه اللَّه تعالى في العبد، وعند أبي هاشم وأصحابه ليس بمعنى، وإنما هو زوال العلم الضروري الذي جرت العادة بحصوله.
  «فَلاَ تَقْعُدْ» يعني مع المستهزئين عن الحسن «بَعْدَ الذِّكْرَى» قيل: لا تقعد بعد ذكرك نَهْيَنَا، وما يجب عليك من الإعراض، عن أبي علي والأصم، وقيل: بعد الذكرى ألَّا تذكرهم بدعائك إياهم إلى الدين، عن أبي مسلم، فكأنه قال: أعرض في حال اليأس، وذَكِّرْ في حال الطمع «مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» يعني في مجالس الكفار والفساق الَّذِينَ يظهرون المنكر «وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ» أي ليس على المؤمنين الَّذِينَ اتقوا معاصي اللَّه من حساب الكفرة شيء بحضورهم مجلس الخوض «وَلَكنْ ذِكْرَى» قيل: لكن يلزمهم القيام عنهم؛ ليصير ذلك موعظة وذكرى، وقيل: ولكن عليهم أن