قوله تعالى: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون 70}
  · المعنى: ثم وصف تعالى من تقدم ذكرهم من الكفار، فقال سبحانه: «وَذَرِ الَّذِينَ» يعني دعهم، ومعنى ذرهم، وأعرض عنهم واحد، وإنما أراد إعراض إنكار؛ لأنه قال بعد ذلك: «وَذَكِّرْ» فكأنه قال: دع ملاطفتهم ومجالستهم، ولا تدع مذاكرتهم ودعوتهم، ونظيره قوله في النساء: {فَأَعرِضْ عَنهُم وَعَظهُم} وقيل: أمره بالإعراض إذا توالت الدعوة وكثرت، فإنها ربما تكون مفسدة لِمَا فيه من تعريض أدلة اللَّه للهزء و «اتَّخَذُوا دِينَهُمْ» قيل: دينهم الذي أمروا به وألزموا التدين به، وهو الإسلام، وقيل: أعيادهم «لَعِبًا وَلَهْوًا» يعني يتلاعبون بها، ولهوًا قيل: فرحًا وعبثًا، عن الأصم.
  «وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» يعني اغتروا بطول حياتهم وبما مُكِّنُوا من نعيم الدنيا «وَذَكرْ بِهِ» أي عظ بالقرآن، وقيل: بيوم الدين، وقيل: بالحجج والآيات، عن الأصم، وقيل: وذكر بالدين «أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كسَبَتْ» قيل: ترتهن كل نفس بما عملت، عن أبي علي والفراء، وقيل: تهلك، عن ابن عباس، وقيل: تسلم للهلكة، عن الحسن ومجاهد وعكرمة والسدي، وقيل: تحبس، عن قتادة، وقيل: تفضح عن ابن عباس، وقيل: تؤخذ، عن ابن زيد، وقيل: تجازى عن الأخفش، وقيل: تسلم إلى خزنة جهنم، عن عطية العوفي «لَيسَ لَهَا» يعني للنفس المرتهنة بعملها المُسْلَمَةِ إلى الهلكة «لَيسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ» غير اللَّه «وَلِيٌّ» ناصر ينجيها من العذاب «وَلاَ شَفِيعٌ» يشفع لها «وَإنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ» أي وإن تَفْدِ كل فداء من جهة المال، عن قتادة والسدي وابن زيد، وقيل: بل من جهة الإسلام والتوبة، عن الحسن، وقيل: وإن تقسط كل قسط «لاَ يُؤْخَذْ مِنْهَا» قيل: لا يقبل منها الفداء، وقيل: لا يقبل منها التوبة والإسلام؛ لأن التوبة في دار الآخرة غير مقبولة «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كسَبُوا» قيل: أُهْلِكوا، وقيل: ارتهنوا، وقيل: أُسْلِمُوا للهلكة فلا مخلص لهم، وقيل: جُوزُوا بما كسبوا؛ أي بما عملوا «لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ» أي ماء مغلي حار «وَعَذَابٌ أَلِيمٌ» موجع، وقيل: أسلمهم الحق إلى العذاب، عن الأصم، وقيل: دل بقوله: «أُبْسِلُوا بِمَا كسَبُوا» أن اللَّه تعالى لا يظلمهم بعذابهم «بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ» أي جزاء على كفرهم.